كتب: محمد منصور، إبراهيم جاد ومحمود السماحي.
كرة القدم ليست مجرد قطعة من الجلد يجري وراءها اللاعبون في الملعب ويتابعها المشجعون في لهفة وحسب بل هي صناعة، صناعةٌ مربحةٌ تعتمد عليها بعض الدول وتتخذها أولوية لدعم اقتصادها القومي، وهي أيضًا مرآة لتقدم الشعوب والحضارات. أهلًا بكم في الحلقة الثالثة من سلسلة “سنين ضوئية”.
شاهد باقي السلسلة.
سنين ضوئية (1) نادي القرن الشرفي نقطة توقف عندها الزمن .. الزمالك قادم منذ 18 عام
سنين ضوئية (2) الأهلي بايرن ميونخ يوفنتوس ثلاثي يغرد منفردًا .. التحكيم عامل مشترك والكل ينكر
في هذه الحلقة نستعرض معكم الجانب الآخر من كرة القدم، نتحدث عن الإستثمار الرياضي، ولن نجد أفضل من الأهلي ومانشيستر يونايتد الإنجليزي وريال مدريد الأسباني لنعقد المقارنة.
الأهلي
الأهلي، كبير مصر وأفريقيا، كان سبّاقا إلى الدخول إلى عالم الإستثمار الرياضي، فالنادي العريق عمل على استغلال شعبيته الجارفة لزيادة سعر علامته التجارية.
نادي القرن في أفريقيا يشهد توسعًا كبيرًا في حجم الأموال التي تدخل خزانته في الفترة الأخيرة، بداية تسلسل عقود رعاية الأهلي في الفترة الأخيرة – كل عقد امتد لثلاث سنوات – كان 76 مليون جنيه في الفترة من 2008 وحتى 2011، ثم 141 مليون في الفترة من 2011 وحتى 2014 وتم مدها عام إضافي بسبب توقف النشاط الرياضي، وأخيرا العقد الحالي الذي قيمته 231 مليون من 2015 إلى 2018.
وعام 2018 فازت شركة صلة السعودية برعاية الأهلي بمبلغ 500 مليون جنيه لتسجل رقمًا قياسيًا جديًا في القارة، ولكن قامت الشركة بفسخ العقد بسبب هتافات جماهير الأهلي العدائية ضد تركي آل شيخ لتستغل شركة بريزنتيشن المصرية الموقف وتوقع عقدًا مع الأهلي بقيمة 520 مليون.
بريزنتيشن سبورت تحصل علي حقوق رعاية النادي #الأهلي لمدة 4 سنوات 💪🏼 pic.twitter.com/oCW2iysNdp
— Presentation Sports (@Presentation) October 21, 2018
وفي مجال البث كان الأهلي أول من نادى بترك الحرية لكل نادي لتسويق مبارياته بنفسه، فكان تبرير إدارة الأهلي أنه من غير المعقول أن يحصل الأحمر على نفس الحصة المالية التي يحصل عليها الفرق الصغيرة. وبالفعل استمر الاهلي في صعود مؤشراته في مجال البث أيضًا حيث حصل في عام 2016 على 40 مليون جنيه و165 الف جنيه مقابل منح حقوق بث مبارياته لبريزنتيشن، وفي عام 2017 ارتفع الرقم إلى 5 مليون ثم في العام الحالي وقّع الأهلي عقدًا مع نفس الشركة يصل إلى 400 مليون جنيه في أربع سنوات.
أما في رعاية الملابس الرياضية فللأهلي تاريخ كبير مع الشركات العالمية الكبرى كأمبرو ونايكي وأديداس وبوما، ولكنه عام 2014 إتجه للسعودية حيث شركة سبورتا التي وقعت عقدًا شمل على 350 ألاف دولار مقدم التعاقد، على أن تلتزم شركة سبورتا بتوفير ملابس للفريق الأول لكرة القدم بمبلغ 550 ألف دولار سنويا وتزيد القيمة 10 % في السنوات التالية، بالإضافة للميزات أخرى.
وفي هذا العام وقّع الأهلي عقدًا مع شركة أمبرو الإنجليزية ويشمل العقد على بنود تجعل الأهلي يحصل على منتجات رياضية لقطاع كرة القدم ما قيمته 250 ألف دولار أمريكي في موسم 2019 – 2020، وبزيادة 5 % للموسم التالي، ويحصل النادي على نسبة 10 % من عائد مبيعات الشركة من المنتجات الرياضية التي تحمل شعار النادي، والمزيد المزيد من المزايا للنادي وأعضاءه وجماهيره.
استثمار الأهلي لم يتوقف عند ذلك بل اتجه لبيع حقوق الإعلانات على أسوار النادي بالأفرع الثلاث “الجزيرة – مدينة نصر – الشيخ زايد”، وتعاقد الأهلي أكثر من مرة مع شركات مختلفة لاستغلال حقوقه الرقمة ليكون سبّاقًا كعادته في الاستثمار الرياضي في مصر وأفريقيا.
مانشستر يونايتد
دعونا ننتقل إلى إنجلترا إلى كبيرها نادي مانشستر يونايتد، النادي الذي تأسس قبل 140 عام ويعد من أعرق أندية العالم، أول نادي يحصل على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز بمسماه الجديد موسم 1992-1993، ويعد الشياطين الحمر هم الأكثر تتويجًا بالبطولة بـ20 لقب والأكثر حصولًا على الوصافة في 15 مناسبة، العريق الإنجليزي هو الأكثر فوزًا بدرع الاتحاد الإنجليزي في 21 مناسبة، وهو الأكثر منافسة على اللقب في عدد مواسم متتالية من موسم 1996 حتى موسم 2001.
أول شركة قامت بإنتاج قميص المان يونايتد كان أمبرو الإنجليزية واستمرت حتى عام 1975، وأول عقد رعاية في تاريخ النادي كان مع شركة شارب بداية من 1982 بعقد كانت قيمته نصف مليون جنيه إسترليني، الشياطين الحمر في بداية موسم 2006 بعقد رعاية هو الأكبر في تاريخ كرة القدم مع المجموعة العالمية الأمريكية AIG بلغت قيمته 56 مليون ونصف المليون جنيه إسترليني.
شهد موسم 2010 بداية طفرة واضحة لرعاة مانشستر يونايتد، حيث عقد الفريق العقد الأكبر في تاريخ كرة القدم مع شركة التأمين AON بمبلغ وصل 80 مليون جينه إسترليني، وبعدها بموسم واحد شهد اليونايتد عقد هو الأول من نوعه مع شركة البريد DHL لرعاية قمصان التدريب فقط للفريق بعقد بلغ 40 مليون جنيه إسترليني لمدة أربعة مواسم.
لنعود مرة أخرى لشركات الملابس هذه المرة مع أديداس بعقد هو الأكبر في تاريخ كرة القدم، حيث تعاقدت شركة أديداس من المان يو لمدة عشر سنوات من عام 2015 حتى 2025 بمبلغ 75 مليون جنيه إسترليني سنويًا، مانشستر يونايتد علامة تجارية هي الأضخم في عالم كرة القدم ولا أحد يختلف، ولكن الشركات تريد الربح فقط والبطولات هي السبب، فاليونايتد إما عودة للبطولات أو ضياع للعلامة وسط منافسة شرسة مع ريال مدريد الذي توج بثلاث بطولات دوري أبطال أوروبا متتالية.
الاستثمار والرعاية في يونايتد لم تتوقف على الطرق التقليدية وحسب، بل أن النادي الذي يزعم أن مشجعيه يصلون إلى 659 مليون مشجع عبر العالم يركز استثماراته على منطقة شرق آسيا حيث يزيد عدد السكان وتزيد فاعلية الفريق الإنجليزي العريق، فلجأ النادي إلى عقد شراكات وعقود رعاية لمنطقة آسيا فقط كما فعل عام 2013، حيث وقع عقد رعاية مع شركة المشروبات الغازية “بيبسي” لمدة عامين، لتكون شريكا للنادي في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
الإستثمار الرياضي جعل مانشيستر يونايتد يتجه للتعاقد مع الكوري بارك جي سونج والياباني كاجاوا فقط من أجل زيادة شعبية النادي في منطقة آسيا التي تتميز بالكثافة السكانية العالية كما أشرنا، وبالفعل قمصان الشياطين الحمر شهدت رواجًا كبيرًا هناك.
يونايتد يتجه أيضًا للجولات الترويجية خلال فترات التوقف الصيفي لدعم استثماراته وفتح أسواق جديدة بالعالم، ففي شهر يوليو من العام الحالي سافر الفريق إلى السوق الأكبر بالعالم وإلى أقوى دول العالم في الإستثمار وهي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث واجه مان يونايتد كل من كلوب أمريكا وسان خوسيه إيرثكويكس قبل المشاركة في ثلاث مباريات في الكأس الدولية للأبطال أمام ميلان، ليفربول وريال مدريد.

ريال مدريد
دعونا نتجه الآن إلى ريال مدريد الإسباني، نادي القرن الأوروبي، والأكثر حصولا على البطولات القارية على مستوى العالم، هذا النجاح بالتأكيد يدفع الشركات والرعاة للتسابق والتنافس من أجل الحصول على حقوق الرعاية للنادي الأنجح على مستوى العالم، ولأن كرة القدم تحولت تدريجيا لتصبح لعبة اقتصادية أكثر منها لعبة شعبية فقط، ظهر ذلك جليا على تطور عقود رعاية الشركات مع الميرنجي ليصبح الأغلى على مستوى العالم، ويحصل على أعلى عقد رعاية على مستوى التاريخ.
أديداس فازت بحقوق رعاية قميص ريال مدريد منذ عام 1998، ومنذ ذلك العام والشركة تحارب بكل ما تملك من أجل الحفاظ على هذه الرعاية حتى وصلت برعايتها مع الملكي إلى أعلى عقد رعاية في التاريخ، وحاولت الشركة الاستفادة من هذه الرعاية حيث باعت رعاية قميص الميرنجي للعديد من الشركات في مختلف التخصصات.
شركة تيكا كانت اول الشركات الراعية لقميص ريال مدريد بعقد طويل الأمد منذ عام 1992، وبعد تولي أديداس مسؤولية إصدار القميص الخاص بالملكي، استمرت رعاية تيكا حتى عام 2001، بعد ذلك قام ريال مدريد بعمل جديد على سوق الأقمصة الرياضية، حيث جعل رعاية القميص بشعار موقع النادي من أجل زيادة الدعايا الإعلانية للنادي، واستمر ذلك لمدة عام واحد فقط.
انتقلت رعاية القميص بعد ذلك مع بداية عام 2002 إلى شركة سيمنز الألمانية والتي استمرت رعايتها حتى عام 2007، لتنتقل الرعاية بعد ذلك إلى شركة “Bwin” بعد مشاكل الشركة الألمانية وتستمر في رعاية القميص حتى عام 2013، ومن هنا جاء دور شركة “Fly Emarites” لترعى النادي حتى عام 2017.
ومع مطلع هذا العام قرر النادي تجديد عقد الرعاية مع شركة الطيران، وأعلن عن الأرقام المادية التي هيتحصل عليها النادي من هذه الرعاية، حيث يحصل النادي على مبلغ قدره 70 مليون يورو سنويا من الشركة الإماراتية، حتى عام 2022، ليبلغ إجمالي عقد الرعاية الجديد 280 مليون يورو.
ليخرج منذ أيام قليلة أن شركة أديداس سوف توقع مع الميرنجي أكبر عقد رعاية في تاريخ الأندية مع شركة أديداس، حيث تبلغ قيمة العقد مليار و100 مليون يورو، ويستمر عقد الرعاية هذا على مدار عشر سنوات ليتخطي بذلك الملكي جميع عقود رعاية الأندية الأخرى تاريخيا.
La camiseta más cara del fútbol mundial: ¡El Real Madrid ganará con Adidas más de lo que lo hace toda la NBA con Nike! https://t.co/odT4dJgvQq Por @Carpio_Marca
— MARCA (@marca) November 5, 2018
ومثل مانشستر يونايتد فريال مدريد لا يكتفي بالطرق التقليدية للإستثمار بل يلجأ أيضًا للجولات الترويجية حيث خاض في 29 يوليو من العام الماضي مباراة الكلاسيكو أمام غريمه برشلونة في الولايات المتحدة الأمريكية ليُقام الكلاسيكو خارج أسبانيا للمرة الأولى منذ عام 1982 فقط من أجل الإستثمار.
ريال مدريد أيضًا يدر عائدًا ماديًا كبيرًا من متحفه في أسبانيا، حيث أن المتحف هو ثالث أكثر المتاحف زيارة في البلاد وقد زار ملعب سنتياجو برنابيو خلال العام الماضي ما يقرب من مليون و300 ألف زائر، زيارتك للمتحف تمكنك أيضًا من دخول غرف خلع الملابس وأماكن المؤتمرات الصحفية ومشاهدة كئوس النادي وبطولاته المختلفة وإلتقاط الصور التذكارية.

أين تكمن السنوات الضوئية؟!
بالتأكيد بعد ما سردناه فقد عرفت الفارق بين ما يحدث في مصر متمثلًا في الأهلي وما يحدث خارج مصر متمثلًا في يونايتد وريال مدريد، المقارنة بالطبع ظالمة فالمنتج الذي تقدمه الكرة المصرية لا يتناسب مع ما يُقدم في الخارج.
ولكن الفارق الأكبر والذي يجب أن يعمل عليه الأهلي هو تنويع مصادر الإستثمار والبحث عن أسواق جديدة وأفكار مبتكرة لتسويق العلامة التجارية للنادي واستغلال الشعبية الجارفة للأهلي في أفريقيا.
ما يفعله الأهلي بالطبع هو موضع للفخر في ظل الظروف المحيطة الطاردة للإستثمار الرياضي، فالقوانين التي تحكم الرياضة في مصر وأفريقيا تمنع المستثمرين من المغامرة بأموالهم.
كما أن إنخفاض مستوى المعيشة يحول دون زيادة حجم الإستثمارات، فمثلًا عندما وقّع الأهلي عقدًا مع شركة أديداس لإنتاج ملابسه شهدت الشركة خسائر مادية بسبب عزوف الجماهير عن شراء القمصان الأصلية الغالية واتجاههم للقمصان المقلدة.
سننتقل للجهة الجنوب غربية من العالم بالتحديد بأمريكا الجنوبية التي تشبه إلى حد ما الظروف الإقتصادية في أفريقيا، العالم يتحدث عن كلاسيكو القرن بين بوكا جونيورز وريفر بليت والذي سيكون في نهائي كأس ليبرتادورس لأول مرة في تاريخ البطولة، ولآخر مرة يلعب النهائي ذهاب وعودة.
الخطوط الجوية القطرية حصلت على حقوق رعاية بطولات أمريكا الجنوبية حتى عام 2022، ولم تترك فرصة لرعاية العريق بوكا جونيورز الذي تأسس عام 1905 سوى وتوجهت إليها، الخطوط القطرية راعٍ رئيس على قمصان روما الإيطالي وبايرن ميونخ الألمان، حصلت على حقوق رعاية قميص البوكا لمدة خمسة مواسم بعقد قيمته 7 ملايين يورو في موسم واحد.
لذا بالتأكيد فتطوير الاستثمار الرياضي في مصر ليس قرارًا من مجلس الأهلي بل يجب أن يكون قرار الدولة ومسعاها عن طريق تسهيل عمليات المزايدات والمناقصات وإجراء التعاقدات بتعديل القوانين لتكون أسهل من القوانين الحالية، وأيضًا بحاولة رفع مستوى المعيشة.
وفي النهاية نذكركم ثانيةً بأن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل هي صناعة يمكن أن تعمل على ترويج السياحة والإستثمارات الأخرى بمصر وأن تعطي صورة جيدة عن توفر الأمن في البلاد.