النهايات السعيدة وحدها تتحقق في عالم الأفلام الرومانسية الحالمة التي ينال البطل فيها مراده بعد مواجهة أصعب المواقف وتحدي كل الصعاب، وعالم كرة القدم ماهو إلا انعكاس لسيناريوهات درامية تبقى في أذهان الجمهور.
كلاوديو رانييري
ليلة الخميس 23 فبراير 2017 استقبل عالم كرة القدم خبراً نزل كالصاعقة على الجميع بقرار إدارة نادي ليستر سيتي المملوكة لمجموعة King Power العالمية والتي يترأسها رجل الأعمال التايلاندي فيتشاي سريفادا بإقالة المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري وتعيين مساعد المدرب كريج شكسبير مدرباً مؤقتاً.
توقيت قرار الإقالة كان غير متوقعاً حيث جاء بعد يوم واحد من خسارة مباراة الذهاب في دوري أبطال أوروبا من إشبيلية الأسباني في ملعبه رامون سانشيز بيثخوان بهدفين مقابل هدف واحد، بالرغم من الحفاظ على آمال ثعالب إنجلترا في التأهل لربع نهائي البطولة مع انتظار مباراة العودة.
أسباب صدمة الجميع ترجع إلى عدة أمور أبرزها الأنباء التي تداولتها وكالات الأخبار عن أن أحد أكبر العوامل التي دفعت الإدارة لإتخاذ قرار الإقالة هو اجتماع كبار لاعبي ليستر مع رئيس النادي وإبلاغه برغبتهم في التخلص من رانييري، الأمر الذي نفته الإدارة وجيمي فاردي مهاجم الثعالب وكاسبر شمايكل حارس المرمى ورياض محرز نجم ليستر سيتي.
إدراة ليستر بررت قرار إقالة رانييري بسبب سوء النتائج المحلية في الدوري الإنجليزي والتي جعلت الثعالب ضمن دائرة الفرق التي تصارع من أجل البقاء بالبطولة لذلك لم تجد الإدارة مفراً من تغيير المدرب، برغم التتويج الإعجازي الموسم الماضي بلقب البريميرليج.
وشرحت الإدارة في حيثيات بيانها أن قرار الإقالة يعد الأصعب ضمن سبعة أعوام في امتلاك النادي كون رانييري هو المدرب الأنجح في تاريخ ليستر الذي جلب لقب البريميرليج الأول في تاريخه منذ 133 عاماً وأن القرار يخدم أهداف النادي طويلة الأمد بإبقاء الثعالب في غابة الدوري الإنجليزي ومنافسته على المراكز المتقدمة من أجل التواجد الأوروبي بإستمرار.
رانييري نجح في وضع ليستر سيتي على خارطة أبطال البريميرليج في موسمه الأول مع الثعالب بعد التتويج بلقب الدوري الإنجليزي برصيد 81 نقطة ب23 فوز و12 تعادل و3 هزائم فقط، بعد أن سجل 68 هدفاً واستقبلت شباكه 36 هدفاً حيث استطاع المدرب الإيطالي تغيير ثقافة الفريق وإكسابهم الشخصية البطولية والعقلية الانتصارية ورفع الحالة التنافسية بينهم.
الثعلب العجوز توصل لصنع توليفة من اللاعبين بقيادة المهاجم الإنجليزي جيمي فاردي هداف الفريق ب24 هدف والجزائري رياض محرز صانع الألعاب المتألق والفرنسي نجولو كانتي صاحب الرئات الثلاث في خط الوسط والملقب ب (مكاليلي الحديث) والجامايكي ويس مورجان قلب دفاع الفريق الصلب.
ليستر سيتي اعتمد على الدفاع المنظم بفضل العقلية الإيطالية التي جلبها كلاوديو رانييري للنادي مع التحول السريع في الهجوم بالمرتدات السريعة بالارتكاز على الثنائي الأخطر محرز وفاردي، مع الاستفادة الأكبر من كل الضربات الثابتة القريبة من منطقة جزاء الخصم سواء بالتسديد المباشر أو استغلال العرضيات.
فاردي حصل على جائزة أفضل لاعب في البريميرليج 2015/2016 كما حصل محرز على جائزة لاعب العام من رابطة المحترفين الإنجليزية وتوج رانييري مجهوداته بعدة جوائز أبرزها: أفضل مدرب في البريميرليج، وجائزة شخصية العام الرياضية لأفضل مدرب من البي بي سي، وجائزة أفضل مدرب من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
ليستر رانييري دخل الموسم الحالي 2016/2017 بطلاً للبريميرليج للمرة الأولى في تاريخه مع رحيل دينامو الثعالب كانتي لنادي تشيلسي واستقدام الجزائري إسلام سليماني من سبورتنج لشبونة البرتغالي والنيجيري أحمد موسى من سيسكا موسكو الروسي، ولكن ساءت نتائج البطل مع تراجع أداء الفريق بعد مرور 25جولة من البريميرليج هبط بها ليستر للمركز ال17 المهدد بالهبوط برصيد 21 نقطة وعانى فيها عقماً تهديفياً بتسجيل 24 هدف فقط ودفاع هش للغاية، بعكس الموسم الماضي، استقبل 44 هدفاً.
موسم الثعالب انتهى مبكراً في الكئوس المحلية بتوديع كأس رابطة المحترفين بالهزيمة من تشيلسي في دور ال32 بأربعة أهداف لهدفين، والخروج من كأس الاتحاد الإنجليزي من دور ال16 بالخسارة من ميلوال أحد فرق الدرجة الثالثة في إنجلترا بهدف نظيف.
في دوري أبطال أوروبا، ظهر ليستر سيتي بشكل مغاير عن نسخة الموسم الحالي المتواضعة المستوى حيث تصدر المجموعة السابعة برصيد 13 نقطة من 4 انتصارات وتعادل وهزيمة وحيدة بعد أن سجل 7 أهداف واستقبل 6 أهداف وحافظ على نظافة شباكه لأربع مباريات متتالية، ليتأهل لمواجهة الفريق الأندلسي إشبيلية خاسراً مباراة الذهاب وتتبقى له مباراة العودة.
قرار إقالة رانييري لاقى حملات انتقاد واسعة وهجوماً حاداً على إدارة النادي التي غدرت بالإيطالي صانع معجزة الموسم الماضي وتوزعت سهام النقد على كبار اللاعبين لتآمرهم على صاحب الفضل عليهم سواء بالإجتماع مع الإدارة أو تخاذلهم في الأداء ووضعهم المدرب في وضع محرج، وعلى الجانب الآخر انهالت رسائل التضامن على العجوز الإيطالي من الجميع مؤكدة على بقاء إنجازه خالداً للأبد وعدم انتقاص قرار الإقالة منه شيئاً.
رانييري نفسه عبر عن حزنه العميق لقرار الإقالة ووجه الشكر لجماهير ليستر وأنه لا أحداً يستطيع سلبه ما نجح في تحقيقه مع الثعالب الموسم الماضي بمساندة الجمهور ودعم الإدارة والتزام اللاعبين، وعبرت الجماهير في المباراة السابقة أمام ليفربول في البريميرليج، التي فاز فيها الثعالب بثلاثية نظيفة، عن شكرها لمدربها السابق برسائل التضامن عديدة وإضاءة هواتفهم النقالة في الدقيقة 65 من المباراة.
جوزيه مورينيو
لعنة البطل لاحقت مدربين آخريين قبل رانييري في البريميرليج، كان آخرهم البرتغالي جوزيه مورينيو الذي توج في موسمه الثاني 2014/2015 في ولايته الثانية مع تشيلسي بلقب البريميرليج قبل أن يتم الإطاحة به قبل منتصف الموسم الماضي بعد خسارة 9 مباريات من أصل 16 في الدوري الإنجليزي الأمر الذي جعل البلوز يتراجعون لمراكز متأخرة في جدول الترتيب.
إقالة مورينيو لم تكن نتيجة سوء النتائج وهبوط الأداء فحسب بل كانت نتيجة فقدان الثقة المتبادلة بين المدرب ولاعبيه في غرفة الملابس الأمر الذي ظهر جلياً في الملعب بأشباح لأبطال البريميرليج، كما كشفته عناوين الصحف بتبادل الإتهامات بين السبيشيال ون ونجوم الفريق اللندني ما جعل جماهير تشيلسي تعتقد في مؤامرة بضعة لاعبين على الرجل البرتغالي لإحراجه بنتائج مخيبة للتعجيل برحيله، وهذا ما أثبته بدرجة كبيرة تحسن النتائج نسبياً مع قدوم الهولندي جوس هيدنيك مدرباً مؤقتاً للفريق.
روبيرتو مانشيني
الإيطالي روبيرتو مانشيني طاردته لعنة لقب البريميرليج مع مانشيستر سيتي بعد أن حول وجهة اللقب موسم 2011/2012 بشكل درامي في الثوان الأخيرة من آخر مباراة أمام كوينز بارك رينجرز بالفوز بثلاثة أهداف لهدفين من شياطين مانشيتسر يونايتد إلى السيتيزنز، حيث عانى مانشيني موسم 2012/2013 خروجاً مبكراً للمرة الثانية على التوالي من دور المجموعات من أبطال أوروبا، بينما خسر لقبه المحلي لصالح جاره اللدود في الأولد ترافورد مانشيستر يونايتد، كما خسر كأس الاتحاد الإنجليزي بعد تغلب ويجان عليه في النهائي بهدفين نظيفين.
قرار إقالة مانشيني كان بسبب سوء النتائج في المقام الأول محلياً لفقدان لقب البريميرليج وكأس الاتحاد وتكرار الفشل الأوروبي، إلى جانب تدهور علاقة المدرب الإيطالي مع الإدارة نفسها والكثير من نجوم السيتي ليخلفه المدرب التشيلي مانويل بيلليجريني.
كارلو أنشيلوتي
الإيطالي كارلو أنشيلوتي قاد تشيلسي للقب البريميرليج الرابع في تاريخ البلوز موسم 2009/2010 برصيد 86 نقطة بفارق نقطة وحيدة عن مانشيستر يونايتد بعد أن أصبح أول فريق في تاريخ البطولة يسجل أكثر من 100 هدف في موسم واحد (103 هدف)، كما أصبح أول مدرب إيطالي يتوج بالبريميرليج.
أنشيلوتي فقد اللقب في الموسم التالي لصالح اليونايتد، كما ودع دوري أبطال أوروبا في نفس الموسم من مانشيستر يونايتد أيضاً من دور ال16 وهو ما حدث في موسمه الأول من نفس الدور أمام انتر ميلان الإيطالي.
إقالة أنشيلوتي جاءت نتيجة الفشل في التتويج بالبريميرليج للموسم الثاني على التوالي بعد إنفاق الملايين لتمويل صفقتين من العيار الثقيل باستقدام المهاجم الأسباني فيرناندو توريس من ليفرول والمدافع البرازيلي ديفيد لويز من بنفيكا، وتكرار الفشل الأوروبي مع إلحاح المالك الروسي للنادي اللندني على الظفر بالبطولة الأوروبية الأعرق.
لقب البريميرليج لعنة طاردت مدربين وحولتهم من أبطال متوجة إلى سحيق الإقالة مع أسباب عديدة تفاوتت بين سوء النتائج وتعنت الإدارة وتخاذل اللاعبين وفقدان المدرب نفسه للمسته السحرية في الحفاظ على مكونات نجاحه التي حقق فيها اللقب.