يا ولدي.... هذا عمك "صلاح"

يا ولدي…. هذا عمك “صلاح”

Array
- Advertisement -
- Advertisement -

كتب: عبدالرحمن هشام

يا لحظ هذه الأمة وهذا الشعب!!

كأن هذه البلاد كُتِبَ لها أن يُبعث من أولادها كل فترة من يُجَدِّد لها آمالاها، ويغسل شبابيك الأمل التي كدَّر صفوها غُبار اليأس النابع من مآسي الحياة وتقلباتها، يخرج من هذا الشعب من يكسر تابوهات الإعلام والشعب كله، يظهر ليزيل الغبار عن معدن أصيل في كل منا، يُخبِر كل طامح وكل آمل بأن الأماني ممكنة، والأحلام تُحَقَّق والأماني تُنال. يُخبِر كل فتي بأن فيه عظيمًأ إن هو اجتهدا.

ظهر أولئك المجددون علي فترات متباينة في مصر فمنهم أحمد زويل ومجدي يعقوب وهاني عازر وغيرهم في العلوم، ومنهم من ظهروا في مجال الفن، ومنهم من ظهروا في مجال الرياضة وبالأخصّ كرة القدم. لكن ولسوء الحظ كان ينقصهم كلهم الإصرار والإستمرارية.

من منا ينسي حسام حسن في سويسرا؟! كم من الآمال وضعنا علي هاني رمزي في ألمانيا؟ كم كان حازم إمام رائعً في أودينيزي؟! هل تتذكر هداف الدوري الإنجليزي عمرو زكي؟ محمد زيدان كان رهيبا في الدورتموند… صحيح، أين هو الآن؟ اشتقنا إليه.

لقد قُتِلَت قصص نشأة صلاح بحثا وتلاوة على مسامعنا، لكن صلاح لم يولد في بسيون كما يخبرنا الجميع، حتي صلاح نفسه. صلاح الحقيقي الذي نعرفه ،وسنقص قصته على أبنائنا ليتخذوه نموذجا في الإصرار، صلاح هذا ولد في “فلورنسا” في إيطاليا.

في 2014 كان صلاح قد عاش فترة حالكة في لندن في صفوف تشيلسي، وبعدما وصل للعب في أحد أندية الصف الأول في أوروبا، كان لزامًا عليه الرحيل ولم يكن أمامه سوى الذهاب للكالتشيو، لكن هذه المرة ليس في  أحد كبيري الميلان أو اليوفي أو حتي ذئاب العاصمة، لكن في الفيولا القابع في مقاطعة فلورنسا.

في عُرف الكثيرين فإن هذا فشل لأي لاعب، كيف يقبل أن ينزل درجة من الصف الأول لأندية ليست علي المسرح الأوروبي الكبير أو حتي الإيطالي، هذا لا ينفي الجماهيرية الكبيرة لفيورنتينا بالطبع. كان صلاح حينها يتحمل ضغوطا كبيرة، سواء من الإعلام، أو حتي من نفسه، نفسه التي تحدثه كل ليلة وتطل عليه بمخاوف كثيرة : “هل سأكون مثل فلان؟!”، “هل سينتهي بي الطريق قبل أن يبدأ؟” . وإلى غير ذلك من المخاوف التي بالكاد تراود كل منا في كل خطوة في حياته، حتي إن لم يكن في دائرة الأضواء.

نشر صلاح بعد فوزه بجائزة الأفضل في إقريقيا صورة لمحادثة بينه وبين أحد أصدقائه يرد على قول صديق له أنه سيرشح لأفضل لاعب إفريقي، وكان رد صلاح ” أنا مش هترشح لها أنا هاكسبها إن شاء الله”، هنا يظهر الفارق في العقلية الذي أعطي صلاح هذه الأفضلية.

العقلية

الإختلاف، صلاح واجه الموقف بعقلية مختلفة، يُمكِن أن يُعزيها البعض للإصرار أو الإيمان أو غير ذلك، لكن لا يُمكِن أبدا أن نُنكِر اختلافها عن ثقافات راسخة في عقول العديد مننا ومن لاعبينا. رأي صلاح في الإنتقال لفيورنتينا الأمل، فوجد ابن بسيون مونتيلا –المدير الفني للفيولا- مقتنعا به ومؤمنا بقدراته، فقرر أن يستفيد من ذلك الأمر ويطوِّر من قدراته فأصبح صلاح أكثر تحكما بالكرة وأكثر قدرة علي التسديد، وسجَّل هدفين في مرمي كبير إيطاليا اليوفي.

ها هو يصعد مرة أخري!

تألقه مع الفيولا جعله هدفا لذئاب العاصمة روما، حيث كان سباليتي يُدرب الذئاب ويطمع في تدعيم كتيبته بلاعب جديد. وعلى عادته كان صلاح عند التوقعات فأصبح من هدافي الفريق، والأكثر صناعة للفرص في الدوري، وخطف الأضواء والقلوب في قلعة فرانشيسكو توتي.

العودة لمهد كرة القدم

الذئب المصري قد بلغ أشُدَّه، وأصبح الآن قادرا علي العودة من جديد إلي هناك، إلي حيث تحطمت أحلامه على صخرة تشيلسي في لندن، لكن عودته لم تكن إلى مدينة الضباب، لكن إلي هناك علي ضفاف الميرسيسايد حيث ليفربول. الآن الفارس قد صار مخضرمًا، فهو لا يحتاج فترات التأقلم التي يحتاجها اللاعبون الصغار. وفي أشهر معدودة صار ابن المقاولون، الفلاح المصري البارّ، هدافا للدوري الأقوي في العالم، ينافس هدافين كبار وماكينات أهداف ذات باع طويل في البريميرليج، ينتزع هتافات جماهير إنجلترا وبعدها ينتزع الجوائز الفردية هناك، ويختم عامه الذهبي بتتويج قاري كبير يؤكد ما لم يكن يحتاج لتأكيد ويبرهن ما يبدو بدون برهان، ويُظهر أنه الأفضل في القارة السمراء.

لكن هل هذا يكفي؟ هل تصيبني التخمة وأشبع من الألقاب؟.

بالطبع لا، فمحمد صلاح طموحه لا يتوقف فيطمح أن يكون الأفضل في الفريق ثم الدوري ثم القارة ثم..العالم. ووسط هذا كله لا ينسى أهله وأبناء قريته، فيعود ليزورهم كل عيد ليجلس وسط أبناء قريته متواضعا حتي لا يكاد الرائي من بعيد يعرفه من وسطهم، فهو لم يجد يوما في تألقه مدعاة للكبر أو الخيلاء، فيصبح معشوق قريته الأول وفارس بلاده المغوار الذي أنار الطريق بلا نار وزرع الأمل بلا أرض. سيذكره الجميع لولده يوما ما ويشير إليه بالبنان “يا ولدي….هذا عمُّك صلاح”.

 

تعليقات الفيس بوك

الكاتب

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

اخر الأخبار