كل الرياضاتتحقيق: ماذا يحدث في الصين؟!

تحقيق: ماذا يحدث في الصين؟!

- Advertisement -
- Advertisement -

“نعم، لقد تلقي ريال مدريد عرضا صينيا مقابل 300 مليون يورو من أجل كريستيانو، اللاعب كان سيحصل علي 100 مليون في العام أيضا.” كان هذا تصريح خورخي مينديش، وكيل أعمال أفضل لاعب في العالم لعام 2016 كريستيانو رونالدو عن العرض الصيني الخرافي الذي رفضه النادي الإسباني واللاعب. رونالدو ليس أول من يصله عرضا خرافي كهذا من الصين، فالأيام الأخيرة شهدت تحول كارلوس تيفيز للاعب الأعلي أجرا في العالم بعد إنتقاله إلي “شانجهاي شينوا” براتب إسبوعي يبلغ 615,000 جنيه استرليني، كما أصبح البرازيلي أوسكار أغلي لاعب ينضم للدوري الصيني بإنتقاله إلي “شانجهاي FC” مقابل 75 مليون يورو. أوسكار وتيفيز ليسوا إلا اسمين جديدين يضافا إلي قائمة طويلة من النجوم التي هاجرت إلي شرق آسيا، تاركين الأضواء والشهرة في أوروبا وأميركا الجنوبية من أجل أموال الدوري الصيني للمحترفين. فما القصة وراء ذلك الصعود المدوي والمفاجيء للتنين الصيني في سماء الكرة العالمية؟

 

البدايات: مراهنات وفساد وملاعب مهجورة..

الدوري الصيني يعتبر دوري حديث العهد، فهو تأسس في 1994 تحت مسمي “J-League”. في بداياته شهد إنطلاقة طيبة ونجاحا رغم عدم شعبية كرة القدم في ذلك الوقت، لكن مع الوقت بدأت الإتهامات تطول الأندية المشاركة ومديريها بإستغلال النجاح الكبير والشعبية التي بدأت تنتشر للعبة في التلاعب بالنتائج وسوق المراهنات، مما جعل الجماهير تفقد إهتمامها باللعبة وتعزف عن حضور اللقاءات أو متابعتها لما أثير من سيطرة المافيا والفساد علي نتائج اللقاءات، وهو ما دفع الإتحاد الصيني للعبة يتدخل ويعيد هيكلة الدوري، ليتحول في عام 2000 إلي “الدوري الصيني السوبر”، حيث أصبح هناك ضوابط مالية وجهات تتابع تحركات الأندية لمنع التلاعب، كما أنشيء دوري رديف ودوريات للفئات السنية الأضغر بمختلف مراحلها بهدف تطوير اللعبة ومحاكاة النموذج المتبع في أوروبا وباقي الدول ذات النشاط الكروي المتطور. مجهودات الإتحاد الصيني أتت بثمارها، حيث نجح المنتخب الصيني للوصول للمرة الأولي لنهائيات كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، كما نجح في تثبيت أقدامه كمنتخب دائم التواجد في كأس الأمم الآسيوية.

صحوة كروية بأوامر رئاسية..

التحول الكبير بدأ مع وصول “زي جينبينج” إلي رئاسة الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد عام 2008، المنصب الذي يعادل رئاسة الجمهورية، حيث أمر جينبينج بالتوسع في مجال كرة القدم والنهوض به في البلاد. الرئيس الصيني يري أن كرة القدم أصبحت عنصرا مهما في المجال العالمي، وليس مجرد رياضة يتابعها الملايين، لذا أراد التفوق لبلاده في المجال الكروي مثلما هو الحال في مجالات عدة أخري، ووضع خطة هدفها أن بحلول 2050 ستكون الصين قوة عظمي في خريطة الكرة العالمية.

خطة جينبينج كانت مبنية علي النهوض بالكرة المحلية عبر الدوري المحلي، حيث هدف أن يحوله إلي دوري قوي قادر علي منافسة دوريات أوروبا وأميركا الجنوبية وMLS في الولايات المتحدة، كما هدف إلي تطوير قطاع الناشئين بحيث لا تعتمد الأندية فقط علي اللاعبين المستقطبين، بل مع مرور الوقت تمتلك هي الأخري أسماء بارزة تسهم في خلق منتخب صيني قوي.

في هذا الوقت كان الدوري الصيني تطور كثيرا من حيث الشكل والتنظيم عن الماضي، حيث أصبح يضم 16 فريقا، وأصبحت للأندية قاعدة جماهيرية قوية،وبدأ المحترفون من أميركا الجنوبية في الظهور مثل وصول أفضل لاعب في أميركا الجنوبية في 2011 داريو كونكا من فلومينينزي إلي جوانزو، خصوصا مع تطبيق نظام “4+1″، حيث يسمح لكل نادي بوجود خمسة لاعبين أجانب في صفوفه، منهم لاعبا من داخل الإتحاد الآسيوي، وإن كان يسمح له بتواجد أربعة فقط في أرض الملعب في الفريق الذي يشارك في المباراة.

جاءت ثورة “جينبينج” لتبني علي هذا الأساس، الرئيس أمر كبار رجال الأعمال والشركات بالإستثمار في مجال كرة القدم والعمل علي إمتلاك الأندية المنافسة في الدوري لتجعلها ذات رأس مال قادر علي جلب أسماء رنانة، وبالفعل بدأت الأندية في منافسة الدوريات في أميركا والخليج علي الأسماء التي تختم مشوارها في أوروبا، فجاء ديديير دروجبا ونيكولاس أنيلكا وعمر كانوتيه وغيرها في ختام مشوارها للعب في الصين. أيضا علي صعيد المدربين، نجحت الأندية في إستقطاب أسماء مثل سفين جوران إيريكسون ومارشيلو ليبي بعدما تراجعت أسهمهم في القارة العجوز.وصول هذه الأسماء، بالإضافة إلي نجاح “جوانزو إيفرجراند” بقيادة ليبي في الوصول إلي كأس العالم للأندية بعد التتويج بدوري أبطال آسيا بدأ يجذب الأنظار، وبدأ العالم الكروي يبدي إهتماما بالدوري الصيني، لكن التحول الكبير كان في الميركاتو الشتوي الماضي، مع بدأ الأندية الصينية في إستعراض قوتها بالتعاقد مع لاعبين صغار ومهمين في أنديتهم مثلما حدث في صفقة إنتقال البرازيلي راميريز من تشيلسي إلي جيانجسو مقابل 28 مليون يورو، أو البرازيلي أليكس تيكشيرا الذي دفع فيه نفس النادي 50 مليون يورو لشاختار الأوكراني، متفوقا علي أسماء مثل ليفربول وتشيلسي التي كانت ترغب في ضمه. مثل تلك الصفقات دفعت المتابعين للتساؤل، من أين تأتي كل هذا الأموال؟!

تشجيع الرئيس الصيني المستثمرين ورجال الأعمال علي دخول المجال الكروي كان له عاملا كبيرا، فكبار الأسماء في الإقتصاد الصيني والمجال التجاري بدأت في شراء الأندية وضخ الأموال، شركات مثل “سونينج”، “علي بابا” و” الشركة الصينية لإدارة ثروة الأراضي” كانت من أبرز من إستثمر في الأندية وعمل علي تدعيمها بمدربين ولاعبين من الأبرز في العالم، مانويل بيليجريني وفيلاش بواش مثلا فضلا خوض مغامرة التدريب في الدوري الصيني رغم من كونهم من الأسماء البارزة في القارة الأوروبية، لاعبون مثل إيزكويل لافيتسي، جيرفينيو، جاكسون مارتينيز وآخرون فضلوا الرحيل للصين أيضا رغم كونهم نجوما في فرقهم أو أسماء مطلوبة بسبب المرتبات الخرافية التي تدفع لهم. لاعب مثل لافيتسي راتبه تضاعف تقريبا من خمسة ونصف مليون يورو في باريس ساينت جيرماين إلي 11 مليونا في نادي “هابيي”، الأمر الذي جعل هؤلاء النجوم وغيرهم في التفكير في اللعب في الصين رغم الفرق الكبير علي الصعيد الكروي والإجتماعي والثقافي.

تدفق النجوم كان له أثره علي عقود الرعاية التليفزيونية، فالدوري الصيني إرتفعت قيمته من فقط 7مليون جنيه إسترليني إلي ما يقرب من البليون بحسب العقد الذي وقعته الأندية والإتحاد الصيني مقابل بيع حقوق بث المباريات، والذي يمتد لخمسة مواسم، رقم يقترب مما بيع به الدوري الإنجليزي الممتاز، الأغلي في العالم.

ولكن، رغم كل ذلك، بقت الشكوك تحوم حول الدوري الصيني خصوصا بما يملك من ماضي ملطخ بالفضائح، حيث تعجب الكثيرون من المبالغ المبالغ بها في بعض الأحيان المدفوعة، هل هي حقا بغرض جلب لاعبين، أم هي لتغطية أنشطة أخري، مثل غسيل الأموال مثلا؟

أبرز الأندية الأوروبية التي إستثمر بها الصينيون.
المصدر: financial times

الشركات الصينية العملاقة التي غزت السوق الكروي الصيني لم تتوقف هناك، بل قررت غزو أوروبا أيضا عبر تملكها لحصة في عديد من أبرز الأسماء في الكرة الأوروبية، سونينج مع انتر، واندا مع أتليتيكو، CMC مع السيتي وغيرها، شركات ليست ذات باع في الكرة, ولكنها بررت دخولها المجال بحجة رغبتها في إقتحام السوق الأوروبي وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها، الأمر الذي لم يقنع الكثيرون، خصوصا مع إرتباط إستحواذ هذه الأندية ببعض الأسماء المثيرة للشبهات مثل كيا كورباشيان وشركته الشهيرة التي تسبب في إفلاس كورينثيانز البرازيلي وقضية تيفيز-ماسكيرانو الشهيرة.

إذا،ماذا بعد في الدوري الصيني؟

الأمور تبدو تسير كما خطط لها المسؤولون في الصين، ولكن لا يجب تجاهل الشق الآخر الذي يعمل عليه الصينييون للإرتقاء باللعبة، وهو التركيز علي قطاع الناشئين، حيث عملت الحكومة عبر وزارة التعليم علي إنشاء مدارس كروية في جميع أنحاء البلاد، بالتعاون مع الأندية الأوروبية مثل ريال مدريد، حيث يلتحق بها الأطفال منذ سن الرابعة ويتم تدريبهم وتجهيزهم منذ الصغر، مثلما يحدث في أوروبا، كما خصصت الحكومة مبالغ كبيرة لتطوير دوريات الأعمار السنية الأقل لتشكيل منتخبات سنية قوية تكون أساسا لمنتخب أول قوي في المستقبل، ، لذلك نري الآن اللاعبين الصينيين تحت الطلب في أوروبا نظرا للتطور في المستوي، ورغم ذلك، ترفض أنديتهم التفريط بهم تحت تعليمات صارمة من الحكومة وإتحاد الكرة، فالهدف هو صنع دوري قوي ليس فقط عبر النجوم الأجانب، ولكن عبر أبناء البلد. فالدولة التي تخطي عدد سكانها المليار تملك ما يزيد عن المائة مليون طفل، الرئيس الصيني يري أن هؤلاء هم نواة مشروعه لجعل الصين قوي كروية عظمي بحلول 2050.

الكثيرون يتشككون في قدرة الصين في الإستمرار علي هذا النهج، ويرون أنها ستكون أقرب لتجربة الMLS الأميركي بعدما ينطفيء حماس المستثمرين ويقل ضخ الأموال، لكن مع وجود دعم حكومي ورئاسي، ومع وجود جماهير مليونية متحمسة، عناصر لم تتوفر في التجربة الأمريكية، قد تفعلها الصين وتصعد لقمة كرة القدم مثلما فعلتها في عديد المجالات والأصعدة.

في بداية هذا العام، كان هناك تصريحا لوكيل اللاعبين الأبرز في الصين “رومين وهو”: “في الصين، نحن نقول بأن اللاعبان الوحيدان في العالم الذان لن يأتوا هنا هم كريستيانو وميسي.” في غضون 11 شهر فقط تغير هذا الوضع وأصبح الصينيون قادرون علي جلب رونالدو، وربما في ذلك إجابة عن مدي مقدرة التنين الصيني علي تحقيق حلمه بحلول 2050.

 

تعليقات الفيس بوك

الكاتب

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

اخر الأخبار