“إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره 6 سنوات، فهذا يعني أنك أنت لا تفهمها”.. هذا ماكتبه السويدي للاعبي المنتخب الأيسلندي علي لوحة الإجتماعات في إطار الإعداد لمواجهة انجلترا ضمن مباريات ثمن نهائي يورو 2016. ربما لم يكن حينها لاجرباك مدركاً بأن لاعبيه قادرون علي تحقيق المفاجأة بإقصاء أعرق المنتخبات العالمية، والممثل لدولة تعد مهد كرة القدم الحديثة. فالسويدي صاحب ال67 عامـاً كافة خبراته التدريبية في سبيل صنع إنجاز غير مسبوق لجزيرة لاتتعدي مساحتها 103,000 كم2.
لارس إيدفين لاجرباك من مواليد عام 1948 في مدينة كاتريناهولم. أنهي دراسته الثانويه العليا عام 1960 ودرس بعدها الاقتصاد والعلوم السياسيه في جامعة أوميا السويديه، وبجانب دراسته لعب كرة القدم في نادي ألبي في الفترة مابين 1960-1969 ثم في نادي جيومناس السويدي كلاعب وسط من عام 1970 وحتي اعتزله عام 1974 لعب خلالهم مرتين مع النادي في التصفيات المؤهلة الى الدرجة الثانية في الدوري السويدي دون أن يحقق النجاح، وكان بديلاً في أوقات كثيرة.
بدأ مشواره التدريبي مع فرق متواضعة في السويد مثل كيلافورس الذي استمر معه من عام 1977 وحتي عام 1982، ثم نادي أربرا الذي تولي قيادته عام 1983 وظل معه لعامين، وصولاً لهوديكسفال الذي أشرف عليه من عام 1987 وحتي عام 1989. انتقل بعد ذلك لاجربك لتدريب المنتخب السويدي تحت 21 عام في 1990 واستمر معه خمس سنوات قاده خلالها للتأهل لكأس العالم 1991 بالبرتغال وللمركز الثاني في بطولة اوروبا 1992 خلف المنتخب الإيطالي، الأمر الذي أهله لتدريب الفريق الرديف للمنتخب السويدي ثم العمل كمساعد لتومي سودربيرج المدير الفني للمنتخب الأول من 1998 ولمدة عام.
كان عام 2000 بداية الإنطلاقة الحقيقية للاجرباك في عالم التدريب حيث تم اختياره كمدير فني للمنتخب السويدي رفقة تومي سودربيرج قبل أن ينفرد بمهام وظيفته بعد ذلك في 2004 عقب الخروج من اليورو. قاد لاجرباك المنتخب السويدي خلال تسع أعوام في 85 مباراة فاز 40 منها وتعادل في 17 وخسر في 28 مباراة، وأبرز ماحققه في تلك الفترة الوصول إلي الدور الثاني في مونديالي 2002 بكوريا الجنوبية واليابان والخروج من السنغال بالهدف الذهبي، و2006 والخروج أمام المانشافت في مباراة انتهت بواقع هدفين دون مقابل، فضلاً عن الوصول إلي الدور ربع النهائي في يورو 2004 بالبرتغال ثم الإقصاء علي يد هولندا بضربات الترجيح. بعد تسع أعوام استقال لاجرباك من منصبه بعد الفشل في التأهل إلى كأس العالم 2010.
في فبراير 2010 أعلن الإتحاد النيجيري تولي السويدي مهام الإشراف علي المنتخب الأول وقيادته في المونديال المقام بجنوب إفريقيا، استمر لاجرباك في منصبه أربعة أشهر فقط قاد خلالها النسور لتذيل المجموعة الثانية في كأس العالم بنقطة واحدة بعد تعادل إيجابي مع كوريا الجنوبية وخسارتين من اليونان والأرجنتين.
ظل لاجرباك لمدة عامين بعيداً عن التدريب، حتي جاء التعاقد مع الإتحاد الأيسلندي في يناير من عام 2012 لتبدأ معها الفترة الأنجح في مسيرته التدريبية. استهل لاجرباك المنافسات الرسمية مع المنتخب الأيسلندي بالتصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم بالبرازيل 2014، حيث وقع في مجموعة سهلة نسبياً ضمت سويسرا وسلوفينيا والنرويج وألبانيا وقبرص.
نجح لاجرباك في تحقيق نتائج غير مسبوقة في تاريخ الكرة الأيسلندية، حيث أنهي مشوار التصفيات في المركز الثاني في مجموعته خلف سويسرا بتحقيقه ل17 نقطة أهلته لخوض الملحق أمام المنتخب الكرواتي، غير أن الكروات نجحوا في حسم التأهل بمجموع اللقائين بواقع هدفين للاشىء.
في الخامس والعشرين من نوفمبر لعام 2013 عين الإتحاد الأيسلندي هايميرهالجيرسون طبيب الأسنان كمدير فني للمنتخب الأول بجانب لاجرباك والذي سيتقاعد -فيما بعد- عقب يورو 2016 تاركاً المهمة لهالجيرسون بمفرده.
إزداد الأمر صعوبة علي لاجرباك بعدما أجريت قرعة التصفيات المؤهلة ليورو 2016 ووقعت ايسلندا في مجموعة صعبة ضمت منتخبات ذات باع في الكرة الأوروبية كهولندا والتشيك وتركيا. لم يكن أكثر المتفألين يتوقع سوي احتلال المنتخب الأيسلندي المركز الرابع في مجموعته خلف المنتخبات التي سبق ذكرها. اعتمد لاجرباك صاحب الشخصية القوية في أغلب مبارياته الرسم التكتيكي 4-4-2 بصوره المختلفة، واستغل وجود بعض الأسماء المخضرمة كجيلفي سيجوردسون لاعب سوانزي سيتي وبيركير بيارناسون لاعب وسط بازل وكولبين سيجبورسون مهاجم نانت الفرنسي لإحداث مفاجأة مدوية بالتأهل لنهائيات اليورو إثر إحتلاله المركز الثاني في مجموعته خلف التشيك ويكون بذلك التأهل الأول في تاريخ ايسلندا لأي بطولة كبري. جمع المنتخب الأيسلندي 20 نقطة من 10 مباريات محققاً الفوز ذهاباً وإياباً علي الطواحين الهولندية، وتصدر سيجوردسون صدارة هدافي مجموعته برصيد ستة أهداف.
واصل لاجرباك إنجازه التاريخي في اليورو رفقة هالجيرسون بالصعود إلي الدور ربع النهائي بعد إقصائه منتخب الأسود الثلاُثة بينما توقفت رحلة الأيسلنديين أمام المنتخب الفرنسي بعد مباراة انتهت بفوز الديّكة بواقع خمسة أهداف لهدفين.
كان لاجرباك قد أعلن قبل انطلاق البطولة بأسابيع خلال مؤتمر صحفي أنه سيستقيل من منصبه عقب نهاية اليورو،وقال لاجرباك: “لقد ولدت على الأرجح منذ زمن بعيد للغاية، عليّ أن أواجه حقيقة أنني لم أعد شابا”، وأكد لاجرباك أن منصبه يتطلب الكثير من السفر وأنه يرغب في قضاء المزيد من الوقت مع عائلته.
انتهت بذلك رحلة لاجرباك الناجحة مع المنتخب الأيسلندي التي قاده خلالها في 52 مباراة فاز في 21 منها وخسر مثلها وتعادل في 10 مباريات أخري.