يتحدث كثيرون عن ترشح الأرجنتين للتويج بـ كأس العالم قطر للمرة الثالثة في تاريخها، حيث تُوجت بلاد التانجو بالكأس الذهبية مرتين فقط من قبل، الأولى عام 1978 والثانية عام 1986.
يعتبر الشعب الأرجنتيني كرة القدم علاج لجروح وانكسارات الحياة، وفي نسخة كأس العالم 1978، كانت كرة القدم هي المصلح الوحيد لظلم وبطش الحكام، كانت المنقذ الأول والأخير لشعب بأكمله.
وفي كتاب tantos mundiales, tantas historias، الذي يحكي عن قصص وأحداث كل بطولة كأس عالم منذ طرح فكرة البطولة من قِبِل “جولز ريميه” قبل 1930.
كانت تلك النسخة هي الأبرز والأكثر جدلًا من بين جميع النسخ، نظرًا لما تركته من أسئلة وراءها هل استحقت الأرجنتين البطولة أم فازت بالغش؟ هل ظُلمت المنتخبات الآخرى أم ظلموا أنفسهم؟ هل باع بعض اللاعبين المباريات؟ والسؤال الأهم هل يمكن لكرة القدم إصلاح ما يفسده الحكام أم هي مجرد لُعبة؟ وأسئلة كثيرة أخرى ما زالت غامضة.
لذلك سنقدم لكم ترجمة خاصة لبعض الفصول من هذه البطولة.
دكتاتوریة خالصة
سعت الأرجنتين وراء تنظيم كأس العالم من قبل الحرب العالمية، فكانت واثقة من استضافتها له في 38، ثم في 42 كتعويض لها، ولكن الحرب اندلعت.
عندما عادت البطولة مرة أخرى وحصلت البرازيل على تنظيمها، لم ترد الأرجنتين المشاركة في كأسي عالم 50 و 54.
ولكن أخيرًا في مؤتمر 1966 تم اختيار الأرجنتين لإقامة بطولة 1978.
وأتى الموعد في ظرفٍ سيئًا للغاية، بربيع 1976 حدث انقلاب عسكري أفضى إلى حقبة إجرامية قذرة أطلق عليها العسكريون”حرب اهلية مستترة”.
تتبع جيش اليساريين موجه من الاعتقالات دون أي أمر قضائي، عمليات خطف وتعذيب واغتيال سواء لمعارضين، أصحابهم أو فقط مدنيين، أدت إلى إختفاء 30000 شخصًا أرجنتينيًا.
لُعِبت البطولة بنفس نظام سابقتها حيث تنقسم إلى دورين مجموعات، الدور الأول عبارة عن أربع مجموعات وكل مجموعة تتكون من أربع فرق.
ثم يتأهل الأول والثاني من كل مجموعة إلى الدور التالي الذي يتكون من مجموعتين، وفي النهاية يتواجه بطلا المجموعتين في المباراة النهائية
المارتونا وفرصة كاردينيوسا
كان مقر الإقامة الخاصة بالبعثة الإسبانية ملكية تٌسمى المارتونا، كان مكان هاديء، هو عبارة عن بيت ريفي كبير، يبعد ثلاثين كيلومترًا من مدينة بوينس أيريس، محيطه خالي تمامًا، والبرد قاسيًا، وأغلقوا جميع النوافذ.
أعطى المكان للاعبين إحساس السجن، فكان يحرسه 300 جندي، لم يفعل اللاعبين شيئًا سوى الجلوس في غرفة العشاء للحديث والتدفئة، أيضًا لا يوجد ملعب كرة.
ولكن الشيء الجيد أن اللاعبين سيتركون المارتونا لثلاثة أيام لمواجهة البرازيل المرشحه بقوة لأي بطولة كس عالم في المباراة الثانية.
شهدت المباراة حظر شديد من قِبل المنتخب الإسباني، لكن الفوز كان قريب عندما كاد أن يسجل كاردينيوسا فرصة محققه، ولكنه أضاعها.
لاعب ذكي وصغير، أصبح اسمه متعلق بالفشل، “انك أسوأ من كاردينيوسا” أو “تفشل أكثر من كاردينيوسا” فكانت عبارات دارجة لمدة سنين طويلة، لم يكن سيئًا هكذا، لم يكن سيئًا على الإطلاق، بل كان لاعب جيد جدًا.
في النهاية ودعت إسبانيا البطولة كثالث المجموعة، بينما حُسمت الصدارة للنمسا بسبب ما حدث في المباراة الأولى بين البرازيل والسويد.
تمتلك البرازيل فريق غير متكافيء، ولاعبين ليست جيدين كما هو المتوقع من السامبو وبالرغم من كل هذا، فهي البرازيل والبرازيل ستبقى دائمًا البرازيل.
انتهى الشوط الأول بين البرازيل والسويد والنتيجة 1-1، الشوط الثاني كان عبارة عن مبارزة بين عدم فعالية البرازيل ورضا السويد، فالتعادل مع البرازيل يعتبر ميدالية. البرازيل مازالت تصر، في الدقيقة 90 يُحتسب ركنية ضد مرمى السويد، وزيكو يسجل هدف الفوز للبرازيل برأسية صاروخية، لكن الحكم كلايف توماس لم يحتسب الهدف، بحجة أن وقت المباراة كان قد انتهى عندما كانت تطير الكرة في الهواء.
سار البرازيليون غاضبون بسبب هذا الهدف الأكثر جدلًا في تاريخ كأس العالم، هذا الهدف الغير معطى منع البرازيل بأن تكون بطلة المجموعة.
نظريًا الصعود كثاني قد يمنع مواجهة بين البرازيل والأرجنتين في الدور الثاني، ولكن الأرجنتين خسرت المباراة الأخيرة في المجموعة ضد إيطاليا.
نتجت الخسارة أن تحتل الأرجنتين المركز الثاني وتلاقي البرازيل في نصف الطريق.
لأول مرة أتليتيكو كيمبيرلي في المونديال
تواجه فرنسا المجر، الفرقتان قد خسرا المبارتين السابقتين، يمتلكان صفر من النقاط.
طلبت الفيفا من المجر أن ترتدي الزي الأبيض بدلًا من الأحمر، خوفا من عدم التفرقة بين اللون الأحمر واللون الأزرق، حيث في ذلك الوقت كان التلفاز أبيض وأسود فقط.
فرنسا لم تستقبل أي خبر عن طلب الفيفا من المجر بتغيير زيها وقررت فعل نفس الشيء، وتركت الزي الأزرق وغادرت باللون الاحتياطي، أبيض أيضًا.
هذه الصدفة تم اكتشافها في الملعب، الحكم البرازيلي “كويلو” لام الفرنسيين، فقد أخطأوا، هم من كان عليهم تصحيح ذلك الخطأ.
حصلت فرنسا على زي فريق كيمبيرلي الصغير، الذي يتكون زيهم من شرائط عمودية لونها أبيض وأخضر.
دخل الفرقتان الملعب، فرنسا مرتدية الشرائط الخضراء والبيضاء، وسروال أزرق، وجوارب بيضاء.
كانت عبارة عن غفلة أسفرت على واحدة من أكثر الصور الصادمة في تاريخ الكرة.
فبغض النظر عن مزيج الألوان، هناك أيضًا الأرقام على القميص لا تتطابق مع الأرقام على الشورت.
كيمبييلي فريق صغير في مار دي بلاتا، وُجِد في 1921، دائما في دوري درجة ثانية في الأرجنتين، ولكن بعد تلك الواقعة أصبح يُحتفى به في جميع أنحاء العالم.
يمكن أن يقال أن كيمبيرلي لعب كأس العالم بطريقةً ما، على الرغم من إنها كانت مباراة شرفيه لم تحسم شيء.
الأرجنتين-بيرو، ليلة الاشتباه
الآن نحن في المجموعة الثانية بدور نصف النهائي، يشارك كل من بولندا وبيرو كأبطال مجموعاتهم ( D و B)، مع الأرجنتين والبرازيل.
الجولة الأولى، 14 يونيو، في مدينة ميندوزا، تفوز البرازيل 3-0 أمام بيرو وتفوز الأرجنتين 2-0 أمام بولندا.
لم يسجل كيمبس أي هدف في كأس العالم وكان أمرًا غريبًا، حيث أنت كثيرًا ما يُقال “لا تقل هدف، قل كيمبس”، فكيف لا يسجل بكأس العالم؟.
طلب منه مدربه مينوتي في أحد الأيام أن يحلق شاربه ليرى إذا كانت تلك هي المشكلة، ونجحت بالفعل، وفازت الارجنتين 2-0 ضد بولندا بمدينة روزاريو لتصبح أول ليلة كبيرة لكيمبس في المونديال.
سجل كيمبس في الدقيقة 16 و71، وكان لديه القوة الكافية لتخليص الكرة بيده من على خط مرمى فريقه الخالي ليمنع هدف كاد أن يدخل.
في ذلك العصر لا تُحسب طرد، فقط ركلة جزاء، هكذا يمكن أن نقول أن كيمبس سجل هاتريك بين تسجيل هدفين ومنع هدف آخر.
18 يونيو، الأرجنتين تواجه البرازيل في مدينة روزاريو، المنافسة الأزلية.
آتت ليلة من ليالي العمر التي تهز العالم، حيث تُذكر كل الحوادث التاريخية، أعوام وأعوام من التظلم تخرج إلى الضوء.
في النهاية وصلت المباراة وكانت مملة للغاية، بين الحظر والخشونة.
لم يحدث شيء سوى إعتراضات، تعامل غير رياضي، شكاوى إلى الحكم، تضييع وقت، واقتحام المُدَلِك.
لنتنهى المباراة لكل هذا كانت بنتيجة 0-0، مباراة للنسيان في تاريخ كأس العالم.
وصلنا إلى الجولة الثالثة بالمجموعة، يوم من أيام العار في كأس العالم، إذا فازت البرازيل والأرجنتين سيتعادلان بخمسة نقاط.
في النهاية سيقرر فارق الأهداف وإذا لم يتمكن من حلها سيلجأ إلى الأهداف المسجلة، وصلت البرازيل بفارق أهداف 3 والأرجنتين بفارق أهداف 2.
حُدِدت مباراة البرازيل أن تلعب قبل مباراة الأرجنتين عكس القواعد المحددة من قبل، بأن تُلعب المباريات التي نتائجها لها تأثير متبادل في نفس الوقت.
ولكن لعبت البرازيل أولًا في ميندوزا وفازت 3-1، الآن تمتلك البرازيل خمسة نقاط وفارق أهداف 5.
عندما ذهبت الأرجنتين لتلعب أمام بيرو، كانت تعلم بالفعل ماذا تحتاج إليه لتتأهل، وهو الفوز بفارق أربعة أهداف على الأقل لتصل إلى فارق أهداف 6 وتتأهل، إنها تلعب بتلك الأفضلية.
بالإضافة إلى كل هذا الخداع الكروي، حارس مرمى بيرو “كيروجا”، هو أرجنتيني الأصل، مكان ولادته روزازيو الأرجنتينية
بدأ مسيرته في فريق روزاريو سينترال، من هناك ذهب إلى فريق سبورتنج كريستال في بيرو.
وفي 78 عندما كان في سبروتنج كريستال، كانت بيرو تمتلك فريق جيد لكن تفتقر إلى حراس المرمى، من هنا عُرض عليه الجنسية ووافق عليها، نظرًا لأنه لم يكن قد وصل للتشكيلة الأساسية مع الأرجنتين في وجود فيلول وجاتي.
وفازت الأرجنتين 6-0، بهدفين من كيمبس، ومثلهم من لوكي، وهدف رأسي من تارانتيني، وهدف آخر من هاوسمان.
حيث وصلت المباراة للاستراحة وهي 2-0، وخلال الاستراحة سُمِع صراخ متواصل “أر-چين-تين” وخرجوا لاعبون “مينوتي” كوحوش.
وفي الدقيقة 50 وصل فارق الأهداف 4، هكذا هم متأهلون، ثم سجلوا هدفين.
“كيروجا” لن يكن يستطيع أن يساهم في أي من الأهداف، بالرغم من هذا فبدون شك موقفه كان حساسًا هو أرجنتيني، من المدينة التي يلعب بها تلك المباراة، عائلته كانت تعيش هناك.
كما اعترف اللاعب نفسه بعد أعوام بأن حتى والده الذي حضر المباراة أراد بأن تخسر بيرو، فكان يوجد شكوك بخصوص مقاومة بيرو.
الشكوك التي أعادها إلى الحياة مرة أخرى “كيروجا” نفسه في مقابلة منشورة في ” la nacion” بتاريخ 8 أكتوبر عام 1998.
موضحًا بأن البعض قد باع المباراة وحتى تحدث عن نوع من العقاب وُجِه ضدهم كما حدث مع مدنسي مقبرة توت عنخ أمون.
“الأشخاص الذين حاولوا إمساك الخيوط لإثبات أن المباراة تم بيعها مات الكثير منهم.
في تلك المباراة لعب “روبرتو روهاس” رجل لم يلعب من قبل، ومات في حادثة، وكيروجا نفسه فجرت قنبلة في ملعب متواجد فيه ولكنه لم يمت، “ماركوس كالديرون” (المدير الفني) سقط بطائرة ومات.
من الصعب معرفة ماذا حدث بالفعل وتم تغييره بشكل مصطنع بتلك النتيجة.
ولكن ما هو ليس عليه أي شكوك أن الأرجنتين لعبت بأفضلية عن البرازيل بذهابهم لملعب المباراة بعلمهم ماذا يحتاجون للتأهل.
الأرجنتين تفوز بمونديالها
يدخل اللاعبين الملعب يوم 25-6-1978، الأجواء مليئة بالأوراق الصغير تبعًا للعادات الأرجنتينية.
هولندا التي تلعب النهائي الثاني على التوالي أمام صاحب الأرض والجمهور، خسرت النسخة الماضية ضد ألمانيا الغربية والآن الأرجنتين تصر، و”كرويف” ليس متواجد.
المباراة كانت مثيرة وجيدة، أعطوا الفريقان أفضل ما لديهم، تصدي عالي من “فيلول”.
ثم جاءت الدقيقة 38 عندما استقبل كيمبِس كرة من لوكِ وركض بها ثم وضعها في المرمى لتصبح النتيجة 1-0 للارجنتين.
الشوط الثاني كان أشبه بلعبة الشطرنج حيث كل تبديل لهولندا، يرد عليه مينوتي بتبديل.
تضغط هولندا بحثًا عن الهدف وأخيرًا وجدته في الدقيقة 82.
في لُعبة أخرج فيها لاروسا دفاع الأرجنتين ليسهل على نانينجا أن يضرب الكرة برأسه في المرمى بعد عرضية من ريني فان كيرخوف.
النتيجة 1-1، تبقى ثمانية دقائق، الآن الأرجنتين هي من تضغط وهولندا تدافع.
قبل اكتمال الوقت الأصلي، بدأت هجمة مرتدة وانهاها رينسينبرينك في العارضة، ألقى مدرب الأرجنتين مينوتي على اللاعبين بعض الكلمات التي لن ينسوها قط.
“ستمر الأعوام، وسيتساقط الشعور، ربما ستخسرون الأموال، ويمكنكم حتى أن تفشلون مع العائلة، لكن لا أحد يمكن أن يأخذ مجد أن تكون بطل العالم، ستمر الأعوام وسترون صورة هذا الفريق معلقه في جميع أنحاء الأرجنتين، أعطوا هذه الفرحة للشعب، إنه يحتاجها، الشعب يعلم كيف يشكركم”.
أحس الأرجنتينيون بالحياة، والعكس مع هولندا، هذه الذكرى تأكل روحهم، لحظات قبل استراحة الأشواط الإضافية يسجل كيمبِس مرة أخرى في واحدة من انطلاقاته الرائعة ليعطي التقدم للأرجنتين.
وعندما بدأت هولندا بأن تغضب أكمل بيرتوني لُعبة للأرجنتين بتسديدة عكسية، الآن 3-1، لتتوج الأرجنتين بطلة لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها.
هذا الفريق أمتلك الأفضلية التي يمتلكها دائمًا صاحب الأرض، لكن لَعِب بأداء جيد جدًا، وقف في المنطقة جيدًا، دافع جيدًا، درس اللقاءات، وأنهى جيدًا بفضل كيمبِس.
وكان بطل للعالم مستحق، على الرغم من أن هذا المونديال أُحتِفل به في مناخ مهانة وظلم.
ولكن كانت كرة القدم هي المنقذ الأول والأخير لهذا الشعب، كانت بمثابة النافذة الوحيدة المطلة على الحياة.
لمتابعة صفحتنا عبر فيسبوك وتويتر ليصلك كل جديد لحظة بلحظة.