تستمر حكاية كُرة القدم متابعينا، يستمر الحماس والشغف، ويستمر حديثنا عن فرق و أساطير شكلوا فارقًا في كُرة القدم وتاريخها، وحديثنا اليوم عن دييجو أرماندو مارادونا وفريق نابولي المظفر بلقب الدوري الإيطالي مع النجم و الأُسطورة الأرجنتيني.
حديثنا اليوم عن معجزة، إله كُرة القدم في بلاد التانجو، ليس كمثل الباقي، مختلف الشخصية، عنيد و طموح ولا يريد غير الفوز، يحب الأرجنتين كحبهُ للإله وشخص ذو مبادئ مُنمقة وعظيمة، دييجو أرماندو مارادونا عراب الفوز بمدينة الجنوب الإيطالية، مدينة تتنفس كُرة القدم، كُل شخص بها يرغب بفوز فريق وحيد; نابولي، جاء العراب فحقق المعجزة!
الإنتقال من الكوخ إلى المنزل
” أهلي كانوا أُناس بُسطاء، والدي كان يعمل كعامل ويخرج للعمل من الرابعة صباحًا، وكنا نسكن كوخ صغير ولعبت كُرة القدم ودائمًا في رأسي شراء منزل لأهلي” هكذا كان حديث دييجو مارادونا عن أيام الطفولة التي كانت صعبة على دييجو مارادونا، حيث كان يتواجد بكوخ صغير، 8 أشخاص!
“لعبت كُرة القدم منذ سن الحادية عشر، انضممت لفريق أرجنتينوس جونيورز، حتى كبُرت ومضيت عقد، قام النادي بشراء منزل لي وللأسرة”.
“كان الأمر شاعريًا وعاطفيًا بشكل كبير” هكذا تحدثت والدة مارادونا عن شراء نادي أرجنتينوس جونيورز منزل لعائية دييجو مارادونا.
تلك الجُمل بالتأكيد لها واقع كبير وتأثير كبير في تنشئة دييجو مارادونا، الفقر كان مُسيطر في فترة الطفولة ولهذا السبب خرج مارادونا “صاحب المبادئ” وليس لاعب كُرة القدم فقط وهذا ما سوف نتحدث عنهُ لاحقًا في فترة حياة مارادونا بنابولي.
الشخصية العنيدة.. “أريد أن أصبح مارادونا”
“لا أريد أن أكون بيليه، أريد أن أكون مارادونا” هكذا كان حديث مارادونا في بداية الشباب، أريد أن أكون مارادونا، لا أريد أن أكون في ظل بيليه، لا أريد من يقارنني بهً، أنا ابن التانجو وليس السامبا.
“مارادونا أفضل من بيليه” هكذا قام الجمهور الأرجنتين في شوارع ريو دي جانيرو بالبرازيل خلال كأس العالم عام 2014 قبل لقاء الأرجنتين مع منتخب بلجيكا.
ولكن دعونا نتحدث قليلًا عن رأي بيليه في النجم الأرجنتيني مارادونا فقد قال بيليه في حديث تلفزيوني نصًا “مارادونا لاعب عظيم ولديهِ الموهبة وكُل شئ” هكذا يرى النجم البرازيلي بيليه، إله كُرة القدم في بلاد التانجو.
مهارات وخداع.. مارادونا خير مثال!
https://www.youtube.com/watch?v=JLVmBJEzXhk
“الكرة التي يلعبها مارادونا لم يكن أحد غيرهُ يمكنه لعبها” الصحفي الإيطالي جونزالو بوناديو عند تم سؤالهُ عن مهارات دييجو مارادونا.
نحن أمام أُسطورة، ليس دييجو مارادونا ماكينة للأهداف فقط، بل منجم من المهارات، خداع الخصم في كُل لقاء، المكر الدائم، والتظاهر دائمًا بعكس ما تفكر، هكذا تحدث مارادونا بنفسهُ!
“كُرة القدم هى لعبة الخداع والمكر، تتظاهر بأنك تذهب في هذا الإتجاه ثم تذهب في الإتجاه المعاكس، تخدع الخصم وتكون ماكر دومًا” تحدث مارادونا هكذا يومًا عن كُرة القدم.
الإنتقال من برشلونة إلى نابولي
لم يحقق دييجو مارادونا مع برشلونة شيئًا يُذكر، سوى كأس ملك أسبانيا، رغم التوقعات الكبيرة التي حازها النجم الإرجنتيني مع البرسا بتحقيق العديد من الألقاب.
الأسباب عديدة بكُل أسف; الإصابات والتخبط الإداري والصراعات بين دييجو من طرف و إدارة فريق برشلونة من طرف آخر، حُرمت كُرة القدم من الساحر الأرجنتيني لمدة موسمين بسبب الإصابة في الكبد من ثم الكاحل الناجم عن احتكاكه والعرقلة من قبل الإسباني أندوني غويكيوتكسيا لاعب اثليتيك بلباو التي هددت بانهاء مسيرة مارادونا، ولكن بعد العلاج كان من الممكن بالنسبة له أن يعود قريبا لأرض الملعب.
وقد حدث العديد من النزاعات مع إداريي الفريق وخصيصًا نونيز رئيس النادي، ولم يفز مارادونا مع البرسا سوى بكأس ملك أسبانيا عام 83 على حساب أتليتيك بلباو و ذهب صاحب الـ5 مليون جنية ستيرليني إلى نابولي الإيطالي في أكبر صفقة بتاريخ النادي حينها التي تقدر بـ6.9 مليون جنية ستيرليني.
نابولي حلم كبير.. استقبال أُسطوري
استقبال أُسطوري، هكذا تم استقبال مارادونا في مدينة الجنوب الإيطالية، نابولي، مشجعي نابولي أعطوا مارادونا جُل طاقاتهم في هذا الاستقبال المهيب.
“السنة الفائتة كان نابولي على وشك الهبوط ثم جاء مارادونا ومشجعي نابولي أعطوه كُل ما يمكنهم لأنهُ جاء من أجل شئ واحد; الفوز” انهي جينارو مونتوري رئيس رابطة نابولي حديثهُ بهذه الكلمات لتشجيع ماردونا على القيام بما يجب فعلهُ في نابولي، وهو منصات التتويج.
البطولة تتشكل.. أول موسمين
في أول موسم لمارادونا واجه النجم الأرجتيني طريقة لعب مختلفة عن ذي قبل، أعنف بكثير و أكثر خشونة، لم يعتاد مارادونا على تلك الطريقة في اللاعب و قد أوضح ذلك بنفسهُ قائلًا:”الكُرة الإيطالية تُلعب بإيقاع مختلف، أعنف بكثير، كان على التكيف والتعلم أن ألعب بسرعة مختلفة وأن أُوازن بين طريقة لعبي وسرعتي”.
وتحديث مدرب مارادونا الخاص فيرناندو سينيوريني حول بدايات اللاعب في نابولي قائلًا:”كنا نتدرب كُل يوم وكُنا نقضى الصباح والظهر والمساء معًا”.
حصد نابولي المركز الثامن في موسم 84-85 بـ31 نقطة خلف روما السابع بـ34 و سامبدوريا السادس بـ35 وكان الفائز بالإسكوديتو حينها هو هيلاس فيرونا بـ41 نقطة، ورُغم الصعوبات البدنية التي واجها ملك نابولي فإن مارادونا قد حل ثالثًا في ترتيب الهدافين بـ14 هدف خلف ألتوبيلي ومالديني.
موسم 85-86 حل نابولي ثالثًا خلف كًل من روما ويوفينتوس، وكان نابولي يعاني من الإضهاد في جميع الملاعب الإيطالي، منذ أكثر من عام، حيث وٌصف جماهير نابولي ولاعبيه بأنهم من جلبوا الكوليرا إلى إيطاليا في هتاف عنصري ضد أهالي المدينة، لم يجد مارادونا نفسهُ سوى الوقوف أمام تلك العنصرية، والوقوف ضدها من خلال شئ وحيد; ملعب المباراة.
“هذا الهدف من أجل نابولي، وأهالي نابولي، من أجل الناس، لانهُ لا أحد يعيش في نابولي ويمكنهُ تخيل ما يُقال عنها خلال كُل أسبوع” هكذا أهدى مارادونا هدف الفوز على يوفنتوس بطل الدوري حينها لأهالي نابولي.
مارادونا حل رابعُا في هدافي الدوري الإيطالي هذا الموسم بـ11 هدف و أٌستدعى حينها لبطولة كأس العالم مع الأرجنيتن في المكسيك.
مونديال 86.. قديس الأرجنتين
“المنتخب الوطني هو كُل شئ للاعب كُرة القدم، لا شئ أفصل منهُ” هكذا تحدث دييجو مارادونا عن منتخب بلادهُ.
أوقعت قرعة المونديال الأرجنتين مع إيطاليا وبلغاريا وكوريا الجنوبية، لم يكن هناك أي ثقة في المنتخب من قبل الإعلام الأرجنتيني، واجهت الأرجنتن منتخب كوريا الجنوبية وفازت الأرجنتين بثلاثة أهداف لهدف، و المباراة التالية واجهت الأرجنتين منتخب إيطاليا وانتهي اللقاء بهدف لكل منهما وسجل مارادونا هدف التعادل للمنتخب الأرجنتيني.
أوقعت قُرعة دور الـ16 الأرجنتين مع الأوروجواي، وفازت الأرجنتين بهدف وحيد للاشئ، دور رُبع النهائي لعبت الأرجنتين مع إنجلترا في اللقاء الشهير الذي جمع المنتخبين.
انفجر مارادونا أمام منتخب إنجلترا، هدفين كانوا كافيين للصعود إلى دور نصف النهائي و الإنتظار خطوة وحيدة إلى النهائي الحُلم.
الهدف الأول في الدقيقة الـ51 ويوجد بهِ العديد من الشكوك، أما الهدف الثاني فقد كان هدف “مارادوني” بإمتياز، مراوغة أكثر من لاعب من المنتخب الأرجنتيني و تسجيل هدف تحدث عنهُ العديد من اللاعبين وعلق مارادونا “لقد كان شعورًا جميلًا يشبِه انتقام رمزي من الإنجليز”.
استمر مارادونا في الأداء الرائع، تسجيل هدفين في نصف النهائي؟ كان مارادونا قدر التوقعات بكُل تأكيد، هدف في الدقيقة الـ51 والدقيقة الـ63 كانا كافيا للصعود بالأرجنتين للنهائي أمام ألمانيا الغربية.
“أتمنى تحقيق كأس العالم، أريد ذلك بكُل قوتي حقًا، لأنهُ إذا كان هذا مونديال مارادونا سيكون هذا مونديال الأرجنيتن” هكذا تحدث مارادونا عن الفوز بكأس العالم عام 86.
3-2 نتيجة كانت كافية لإعلان مارادونا بطلًا للعالم أجمع، بطل الأرجنتين الأوحد، ملهم الجميع، عراب كأس العالم و عراب نابولي لاحقًا.
نابولي والدوري.. “آه لو تعلمون ما فاتكم”
“آه لو تعلمون ما فاتكم” هكذا كتب جمهور نادي نابولي للموتي في مقابر المدينة عقب تتويج الفريق بلقب الدوري الإيطالي لأول مرة في تاريخ النادي.
حل نابولي في المركز الأول بـ42 نقطة وخلفهُ يوفنتوس بـ39 نقطة، خرجت جُل مدينة نابولي حينها للشوارع محتفلة بالدوري رقم 1 في تاريخ المدينة ومحتفلة أيضًا ببطلها الأوحد، عراب نابولي، عراب الدوري، دييجو أرماندو مارادونا.
“هذا هو الفريق الذي أردتهُ منذ لحظة وصولي” هكذا عبر مارادونا عن فرحتهُ بفوز فريق نابولي بالدوري الإيطالي.
“بفضل دييجو مارادونا تغيرت العقلية، لم يعد يكفى أن نهزم يوفنتوس أو ميلان، علينا أن نهزمهم جميعًا” هكذا تحدث تشيروفيرارا مداف نابولي عن تغيير مارادونا لعقلية الفريق عقب انضمام النجم الأرجنتيني للنادي.
بطل نابولي.. إلى الآن
لم يحقق نابولي بطولة الدوري الإيطالي منذ ذلك الحين، خرج مارادونا من نادي نابولي عام 90 ولكنهُ لم يخرج من قلوب مشجعي النادي ومن حواري و جدران المدينة الجنوبية بإيطاليا، فهو بطلهم الأوحد، ملك المدينة الأول وسيظل كذلك، حتى يأتي ملك جديد ويحقق للنادي اللقب الغائب منذ عشرات السنوات.