انطلقت بطولة أمم إفريقيا عام 1957 بمشاركة ثلاث دول فقط هي مصر والسودان وإثيوبيا ومنذ ذلك الحين لم تتوقف البطولة عن تغيير خريطة الكرة في القارة السمراء.
أمم إفريقيا 2012 .. بداية الانقلاب الكروي
لوقت طويل ظلت المياه راكدة دون تغيير كبير في موازين القوى بين دول القارة فهناك في الشمال تفرض الدول العربية -مصر وتونس والجزائر والمغرب- نفسها على الساحة بمجموع 10 ألقاب في ذلك التوقيت 7 منهم من نصيب مصر.
وفي الغرب ظلت كلًا من نيجيريا (لقبين في ذلك التوقيت) وغانا (4 ألقاب) وكوت ديفوار (لقب واحد آنذاك) ومن خلفهم السنغال -التي لم تتوج بالبطولة من قبل حتى الآن- فرق لها اسم كبير في القارة.
في الوسط تكشر الأسود الكاميرونية عن أنيابها (4 ألقاب آنذاك) ومن خلفها الكونغو الديمقراطية -زائير سابقًا- (لقبين).
أما دول شرق القارة وجنوبها مجتمعة فلم تكن تحظ جميعها في ذلك التوقيت سوى ب 3 ألقاب جميعهم في الألفية الماضية.
لكن مع حلول العام 2012 بدأ الانقلاب الذي غير كل شيء ..
النيجر .. تلك الدولة التي لم نسمع بها من قبل في كرة القدم تهزم جيل حسن شحاتة التاريخي وتتصدر مجموعتها في التصفيات وتتأهل على رأس المجموعة لتقصي مصر وجنوب إفريقيا وتتأهل للمرة الأولى للنهائيات.
بوتسوانا.. تتصدر مجموعة تونس وترافقها للنهائيات للمرة الأولى في تاريخها أيضًا.
نيجيريا تأتي خلف غينيا وتفشل في التأهل بينما تعجز الجزائر والكاميرون عن العبور للنهائيات أيضًا!!
غينيا الاستوائية تنظم البطولة بمشاركة الجابون وتضمن مشاركتها الأولي في التاريخ وتتمكن من العبور لربع النهائي من المرة الأولى بالرغم من احتلالها التصنيف الأسوأ بين كل الفرق المشاركة وقت إقامة البطولة (151 في تصنيف الفيفا).
أمم إفريقيا وإعادة تشكيل خريطة القارة
مثلما كانت بطولة عام 2012 استثنائية بسبب غياب أكبر الأسماء عن المشاركة فقد كان بطلها استثنائيًا أيضًا.. زامبيا.
حققت زامبيا اللقب الأول في تاريخها على حساب كوت ديفوار بركلات الترجيح لتضيف لقبًا جديدًا لجنوب القارة عكس كل التوقعات التي لم ترشحهم أبدًا للقب منذ فقدان جيلهم الذهبي في حادث تحطم طائرتهم الشهير عام 1993.
في نسخة عام 2013 استمر غياب الفرق الأكثر تتويجًا باللقب القاري (مصر والكاميرون) حيث فشلوا في التأهل مرة أخرى لحساب منتخبات صغيرة.
فقدت مصر مقعدها بعد الخسارة أمام إفريقيا الوسطى .. أما الكاميرون ففشلت في تجاوز الرأس الأخضر التي استطاعت أن تتأهل للمرة الأولى في تاريخها للنهائيات.
فرضت بوركينا فاسو نفسها كحصان أسود للبطولة بعدما وصلت للنهائي الأول في تاريخها حينها أزاحت في طريقها منتخب غانا العريق ولكنها خسرت اللقب في النهاية لصالح نيجيريا التي حققت لقبها الثالث.
أما في نسخة 2015 فقد استمر غياب المنتخب المصري في سابقة لم تحدث من قبل رافقه منتخب نيجيريا حامل اللقب في ذلك التوقيت الذي فقد فرصة الدفاع عن لقبه ولم يتأهل وخرج من الباب الصغير كما لم يتأهل منتخب المغرب أيضًا.
اقتنصت غينيا الاستوائية -البلد المنظم- لقب الحصان الأسود وحققت إنجازها الأفضل في التاريخ بوصولها لنصف النهائي بعد إقصاء تونس قبل أن تخرج على يد غانا التي خسرت بدورها اللقب لصالح كوت ديفوار بركلات الترجيح لتحقق ساحل العاج اللقب الثاني الغائب منذ زمن.
ولكنه كان لقبًا متأخرًا لنجمهم التاريخي ديدييه دروجبا الذي كان قد اعتزل اللعب دوليًا.
أصبح من الواضح بعد نسخة 2015 أن موازين القوى بدأت في الانقلاب فعليًا وأن القارة ربما كانت فعلًا بحاجة إلى تغيير جذري في عدد الفرق المشاركة حيث أصبحت البطولة بنظامها القديم غير قادرة على استيعاب كل الأسماء الكبيرة التي أصبحت تعاني لمجرد التأهل للمسابقة.
في نسخة عام 2017 ظهرت غينيا بيساو للمرة الأولى في البطولة .. غابت نيجيريا مرة أخرى بينما عادت مصر للظهور ووصلت للنهائي لكنها خسرت اللقب للكاميرون التي حققت اللقب الخامس.
كان هذا هو الانتصار الأول للكاميرون على مصر في أمم إفريقيا منذ عام 2002 والانتصار الأول في مباراة نهائية ضد مصر على الإطلاق.
وصلت أيضًا بوركينا فاسو لنصف النهائي وخرجت بصعوبة أمام مصر بركلات الترجيح لتؤكد على وجودها بقوة على الساحة الإفريقية كرقم صعب في المعادلة منذ نسخة 2013.
أمم إفريقيا 2019 وبداية النظام الجديد
كانت نسخة 2019 استثنائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى لسببين:
الأول هو أنها كانت النسخة الأولى التي تقام بمشاركة 24 فريقًا بدلًا من 16 وهو ما يعني زيادة المنافسة وظهور أسماء جديدة على الساحة الإفريقية.
والثاني أن البطولة كان من المقرر أن تستضيفها الكاميرون ولكنها سُحبت منها لتأخر الاستعدادات وتم منحها لمصر قبلها بشهور قليلة ومع ذلك نظمتها مصر بأفضل صورة ممكنة رفعت سقف التوقعات عاليًا للبطولة الأغلى في القارة.
شهدت البطولة الظهور الأول لثلاث منتخبات هي مدغشقر (108 عالميًا في ذلك التوقيت) وموريتانيا (103) وبوروندي (134).
بالإضافة لستة منتخبات أخرى تحتل تصنيفًا متأخرًا خلف ال100 هي كينيا (108) زيمبابوي (109) ناميبيا (113) غينيا بيساو (118) أنجولا (134) تنزانيا (131).
استطاعت مدغشقر الوصول لربع النهائي بعدما هزمت نيجيريا وتصدرت مجموعتها في مفاجأة غير مسبوقة.
تأهلت بنين لربع النهائي للمرة الأولى في التاريخ بعدما أقصت المغرب بكامل نجومها بركلات الترجيح في مفاجأة عكس كل التوقعات حيث لم يكن قد سبق لبنين من قبل عبور دور المجموعات.
أمم إفريقيا 2021 .. ما بين سوء التنظيم وتقارب المستوى
يعتبر الكثير هذه النسخة ربما الأسوأ من حيث التنظيم في تاريخ البطولة خاصة بعد وفاة عدد من المشجعين نتيجة حدوث تدافع على البوابات في مباراة الكاميرون صاحبة الأرض وجزر القمر.
شهدت البطولة أيضًا العديد من الحوادث الغريبة أو الطريفة مثل:
- حكم مباراة تونس ومالي بدور المجموعات ينهي المباراة قبل الوقت الأصلي.
- عزف النشيد الوطني القديم لجمهورية موريتانيا بالخطأ.
- الاعتداء على صحفيي بعثة منتخب الجزائر وسرقة متعلقاتهم الشخصية.
- سحب أجهزة الصوت الخاصة بمؤتمر تونس وبوركينا فاسو الصحفي من قبل صاحبها نتيجة عدم سداد الأجرة المستحقة له من اللجنة المنظمة للبطولة.
لكن ومع كل هذا تظل هذه البطولة دليلًا قاطعًا على تقارب دول القارة الإفريقية من حيث المستوى الكروي حيث لم تعد هناك مباريات سهلة.
بمقارنة بسيطة مع نسخة 2010 التي احتضنتها أنجولا وتوجت بها مصر ستجد أن عدد المباريات التي انتهت بفارق هدفين فأكثر يمثل 10 مباريات من أصل 29 مباراة أقيمت في تلك البطولة.
وهو ما يمثل نسبة تفوق ال34% من مجمل مباريات البطولة.
أما في نسخة الكاميرون الجارية حاليًا فإنه حتى الآن ومع إقامة 47 مباراة من أصل 52 واقتراب البطولة من نهايتها فإن عدد المباريات التي انتهت بفارق هدفين فأكثر لم يتجاوز 10 مباريات فقط وهو ما يمثل 21% تقريبًا من مجمل مباريات البطولة التي أقيمت حتى الآن.
وبمقارنة أخرى فإنه في حين لم يشارك أي منتخب في نسخة عام 2012 يحتل تصنيفًا بعد ال 100 حسب تقدير الفيفا باستثناء غينيا الاستوائية المنظمة (151 عالميًا) والسودان (120 عالميًا) فإن نسخة 2021 المقامة الآن بالكاميرون شهدت حضور 10 منتخبات إفريقية تحتل تصنيفًا متأخرًا بعد ال100.
هذه المنتخبات هي موريتانيا (103) غينيا بيساو (106) سيراليون (108) غينيا الاستوائية (114) زيمبابوي (121) السودان (125) مالاوي (129) جزر القمر (132) إثيوبيا (137) جامبيا (150).
ولم تكتفي هذه المنتخبات بالمشاهدة كما كان يعتقد البعض فقد تمكنت جامبيا صاحبة التصنيف العالمي الأسوأ بين كل المنتخبات المشاركة في الوصول للدور ربع النهائي قبل الخروج على يد الكاميرون صاحبة الأرض وتضمنت رحلتها الفوز على تونس صاحبة الاسم الكبير في دور المجموعات.
تمكنت أيضًا غينيا الاستوائية من الوصول لربع النهائي للمرة الثالثة في تاريخها والأولى بمشاركة 24 فريقًا في البطولة.
نجحت أيضًا جزر القمر في العبور لثمن النهائي للمرة الأولى من مشاركتها الأولى في التاريخ وخرجت أيضًا على يد الكاميرون بعدما قدمت مباراة للتاريخ بعد إصابة جميع حراس المرمى واضطرارهم للمشاركة بشاكر الهدهور (ظهير أيسر) في مركز الحارس.
أمم إفريقيا .. إلى أين؟
الآن ومع تبقي 4 منتخبات فقط في المربع الذهبي (مصر والكاميرون والسنغال وبوركينا فاسو) فإن البطولة قد تشهد بطلًا جديدًا للمرة الأولى حيث لم يسبق للسنغال أو بوركينا فاسو التتويج باللقب من قبل.
وإذا حدث ذلك فإنه سيكون تأكيدًا على تغير خريطة موازين القوى الإفريقية حيث لا مكان للمباريات السهلة وجميع النتائج متقاربة وواردة الحدوث.
تعرف على مواعيد مباريات نصف النهائي والنهائي من هنا.
إن وصول بوركينا فاسو لنصف النهائي الثالث وغينيا الاستوائية لربع النهائي الثالث في أقل من 10 سنوات .. تتويج زامبيا الأول عام 2012 .. خروج الجزائر -حامل اللقب- وغانا من الدور الأول متذيلين لمجموعتيهما تحت فرق صغيرة مثل سيراليون وجزر القمر ..فرق تشارك للمرة الأولى وتحقق إنجازات تاريخية.. ماهو إلا نتاج انقلاب حقيقي في الكرة الإفريقية سيتبعه ظهور أسماء جديدة حيث لا مكان للتاريخ أو الجغرافيا ولا بديل عن العمل الدؤوب للفرق الكبيرة لتثبيت مكانتها في القارة والحفاظ عليها.
اقرأ أيضًا: نيس يطيح بباريس سان جيرمان من كأس فرنسا من دور ال16.