وحيدًا في ميلانو، قد نكون تصدافنا في ساحة دومو، أو تقابلنا أثناء زيارتي لكاتدرائية ميلانو الشهيرة، لا أتذكر يمكن أثناء التسوق في أسواق غاليريا فيتوريو ايمانويل الثاني، لا أتذكر عقلي مُرتبك بعض الشئ اليوم، فهذه ثالث ذكري لبيع سيلفيو النادي.
من أين يجب أن ابدأ ونحن نتحدث عن سيلفيو بيرلسكوني في رئاسته للميلان، من الألقاب إلي المدربين، من النجوم إلي الأسلوب، من كؤوس دوري الأبطال الخمسة، أولها في برشلونة وأخرها في أثينا، أم من باقي الألقاب! تلك التي جعلت الميلان لوحده علي قمة العالم.
نتحدث عن بيرلسكوني الذي أظهر للعالم مُدربين ساهما في تغيير وجه كرة القدم الحديثة، أريجو ساكي وكابيلو، بدونه كانا لا شئ ومعه صارا كل شئ، عن الرئيس الذي جعل الميلان سابقًا لعصره، الرئيس النموذج الذي حاول الكثيرون تقليده، لكنهم لم يستطيعوا.
الرجل الذي تقدم لشراء الميلان في الوقت الصحيح، بعد فضيحة “توتونيرو” موسم 1979/1980، وهي فضيحة الرشاوى بين اللاعبين، وإسقاط الاتحاد الإيطالي لكرة القدم نادي الميلان مع لاتسيو إلى الدرجة الثانية بعد اكتشاف تورط بعض لاعبي لاتسيو ورئيس ميلان “فيليس كولومبو” وقتها في الرشاوي.
عاد الميلان إلى الدرجة الأولى سريعاً، ونظرًا لرحيل أغلب نجوم الفريق سقط مرة أخري إلى الدرجة الثانية في موسم 1981/1982، وإستكمل مسيرة الإنهيار وقتها هروب رئيس الميلان “جيوسيبي فارينا” بما تبقى من خزينة النادي.
وفي نهاية عام 1985 تقدم رجل الأعمال المشهور “سيلفيو برلسكوني” بعرض لشراء نادي إيه سي ميلان، وفي مارس 1986 أتم برلسكوني شراء النادي بالكامل وقال بعدها كلمته المشهورة: (“سأجعل العالم يعرف إيطاليا على أنها بلد نادي الميلان”)
شخصية وذكاء سيلفيو لم تكمن فقط في شراء النادي، بل في شراء اللاعبين، وصرف الأموال، وحصد البطولات، والخروج بالطريقة الصحيحة من النادي بعد تحقيق كل شئ ممكن.
لا يمكن أن نتحدث عنه وننسي نصفه الأخر، عن جالياني أتحدث، الذي كان مثيرًا للجدل أينما ذهب، لكن مع شئ اكيد أنه من أفضل من عمل في إدارة كرة القدم عبر التاريخ.
في عصره مر علي ميلان باريزي ومالديني، شيفشنكو وروي كوستا، ريكارد وكريسبو، خوليت وفان باستن، رونالدو ونسيتا، ورنالدينهو وبيكهام وغيرهم من الأسماء سطرت تاريخًا داخل هذا النادي.
خلال ما يقارب الثلاثون عام، حقق الميلان تحت تواجد بيرلسكوني 28 بطولة، الدوري الإيطالي 8 مرات، الكأس الإيطالي مرة واحدة، السوبر الإيطالي 6 مرات، دوري ابطال اوروبا 5 مرات، السوبر الأوروبي 5 مرات، كأس القارات مرتين وكأس العالم للأندية مرة واحدة.
ها هي الحقبة قد إنتهت، لن يمر علي جماهير الميلان مثل هذه اللحظات، هي الأجمل والأثمن بل هي الذهب بحد ذاته، ذهبًُ صاغهُ رجل واحد، كان يحضنه كمن يحضُن أطفاله، لا بل أغلي.
ثلاثون عامًا واكثر مرت طويلة علي بيرلسكوني تغيرت فيها معالمه، كبر وتجعد وجهُه، لم يبخل علي ما صنعه يومًا، حتي سلَّم النادي وإلي أيادي مجهولة مثلها مثل مصير ميلان الذي وإن كان مجهولًا ألا إنه سيلفيو يؤمن بشعار ” من يؤمن…يفوز”
قرار بيرلسكوني ووضوح الرؤية بعد إقراره بعدم قدرته علي منافسة المشاريع الكبيرة ذات الحاجة إلي الأموال الطائلة مثل باريس سان جيرمان أو مانشستر سيتي، ونظرًا لما حدث في صفقة البيع التي أثارت شك الجميع حول علاقتها بغسيل الأموال.
وفي 14 أبريل من عام 2017، تم بيع أسم النادي والمملوكة من قبل شركة فينينفيست الإستثمارية بقيمة تتجاوز 960 مليون يورو إلى روسونيري سبورت للاستثمار، وهي شركة إستثمارية يديرها المليادير الصيني لي يونغ هونغ.
وتساهم فيها العديد من الشركات الإستثمارية مثل شركة “هايشيا كابيتال”، المدعومة من الحكومة الصينية، وشركة “إيليوت ماندجمنت” الاستثمارية الأميركية، وقد نص الإتفاق المبرم على تحديد قيمة النادي بمبلغ 740 مليون يورو إلى جانب مديونية قدرت بمبلغ 188 مليون يورو.
كذلك نص الإتفاق على إلزام شركة روسونيري دفع 350 مليون يورو مقدمًا لبيرلسكوني بجانب إلي قرض من شركت إليوت بما يقارب 415 مليون يورو ويتم سدادهم خلال 3 سنوات قادمة، لكن في يوليو من عام 2018، فشل الصيني لي ليونغ هونغ عن سداد ديونه البالغة 415 مليون يورو إلى إليوت في الموعد المحدد، مما اجبر شركة “إيليوت ماندجمنت” الاستثمارية الأميركية على القيام بعملية استحواذ الفعلية على النادي، مما جعلها المالك الرسمي للنادي بملكية كاملة من حصص النادي، ولتنتقل ملكية النادي كاملةً إلى شركة “إيليوت ماندجمنت” الاستثمارية الأميركية.
خلال ثلاث سنوات توالت الخلافات في النادي لم تقتصر فقط علي إداريًا، لكن اللاعبين لم يستطيعوا التأهل لدوري الأبطال مع مونتيلا او حتي جينارو جاتوزو، تواجد ميهالوفيتش والأن ستيفانو بيولي، الحديث مستمر عن راجنيك وتغيير سياسة الفريق والإستثمار في الشباب خلافات بوبان وتفكير مالديني.
تفاصيل كثيرة غيرة معروفة، لا يمكن للوقت أن يكون كافيًا للحديث عنه رالف راجنيك الأن وهل هيكل الفريق سيتغير بعد بيع بعض اللاعبين أمثال بوريني في فترة الميركاتو الشتوي؟ علي مشجعين الميلان عدم ترقُب عودة النادي قريبًا إلي منصات التتويج، ستكون أشبه بالمعجزة في حالة تواجد شركة إستثمار ضخمة قررت شراء أسهم النادي بالكامل كطيران الإمارات أو ما شابه.
وبما أن لكل أسطورة نهاية، ولكي تشبه هذه النهاية بطلها فقد كان لابد أن تكتب بقلم بيرلسكوني في خطاب رحيله قائلًا 🙁 “أترك الميلان بألم وتأثر، لا يمكنني أن أنسي الشغف الذي أعطاني إياه ميلان وأعطاه لنا جميعًا، مجددًا شكرًا للجميع”.)