يتساءل الكثيرون متى ستعود الجماهير لملاعبنا، لكني لا أعتقد أنه السؤال الصحيح.
دعني أوضح لك ما أقصده بسؤالٍ آخر.. ماذا لو استمرت الجماهير بصورة طبيعية حتى اللحظة الحالية.. كيف سيكون الوضع الآن؟
يجب أن نتفق أولاً ما الشيء الذي يُضيفه الجمهور إلى كرة القدم..
أولاً- الناحية الاقتصادية:
بدأتُ بالناحية الاقتصادية ليكون حديثي واقعياً أكثر من أن يكون عاطفياً، لا يوجد أدنى شك أن الأندية الجماهيرية في كل أنحاء العالم تعتمد بصورة كبيرة على العوائد المادية من الحضور الجماهيري في المدرجات، فقط لكي تتخيل أُنظر لِما يحدث في كبار أندية أوروبا الآن بعد أزمة غياب الجماهير بسبب فيروس كورونا فقط لموسم واحد، أما الأندية المصرية تُعاني لمدة 10 مواسم متتالية تقريباً من غياب الجماهير، إذاً كيف سيكون الفارق في ميزانية الأندية الجماهيرية إذا كان الوضع طبيعياً طوال تلك السنوات؟
ثانياً- المستوى:
يتواجد لدينا في الكرة المصرية الآن جيلاً كاملاً ربما لم يلعب مباراة بسعة كاملة للمدرجات سوى عدد قليل من اللاعبين في بعض المباريات القليلة أيضاً، أكثر المتضررون من ذلك الأمر هم الفرق التي تشارك في البطولات القارية.
تلعب موسماً كاملاً في البطولات المحلية بملاعب خالية تماماً من الجماهير، وفي البطولات القارية تلعب على أرضك بعدد محدود، ثم تلعب خارج أرضك لتجد جماهير المنافس تملأ المدرجات بالسعة الكاملة وربما أكثر، بالتأكيد سيؤثر ذلك بالسلب على مستوى اللاعبين.

ثالثاً- الروح:
الضرر على الأندية الجماهيرية ليس في البطولات القارية فقط، لكن في البطولات المحلية أيضاً يتأثر اللاعبون بالسلب.
لا توجد مقارنة بين مستوى اللاعب وهو يرى الآلاف من الجماهير في كل أرجاء المدرجات من حوله وألوان فريقه تطغى في كل مكان ينظر إليه، وبين مستواه عندما لا يعلم يلعب من أجل مَن؟ مدرجات خالية فقط..
ربما يتمنى سماع الهتافات التي لا تتوقف لحظة، التفاعلات مع كل حركة يقوم بها داخل الملعب، التشجيع الذي يجعله لا يشعر بالتعب إلا بعد صافرة انتهاء اللقاء.
أخيراً- المشجع:
إذاً فجميع الأطراف مُستفيدة من تواجد الجمهور سواء مادياً أو معنوياً، ربما المشجع هو أقل المستفيدين.
رغم ذلك فهو الذي يفعل كل شيء محاولاً العودة إلى مكانه الذي اعتاد على التواجد فيه.
ربما هو الطرف الوحيد الذي يحاول، لماذا رغم أنه الأقل إستفادة؟
حسناً أنا أتفهم ذلك، سأحاول التعبير ببساطة عن يوم في حياة مشجع كرة القدم..
يوم المباراة:
بالنسبة له المتعة ليست متوقفة فقط على انتصار فريقه أو الـ90 دقيقة التي يسانده فيها.
المتعة تبدأ بالنسبة له من اليوم السابق للمباراة، فهو لا يستطيع النوم من التفكير فيما سيحدث غداً.
يبدأ يومه المميز وربما ذلك اليوم هو الشيء الوحيد في حياته الذي يسير كما يريد، يرى الأصدقاء المفضلين بالنسبة له “أصدقاء المُدرج” كما يُطلِق عليهم.
الطريق إلى الملعب:
ربما يتفق الجميع على أن الطريق إلى ملعب المباراة سيستغرق ساعات، لكن في الواقع يمُر الوقت أسرع مما يتوقع.. شيء غريب حقاً، كيف وهو الذي لا يطيق انتظار أي شخص لبضع دقائق فقط أو انتظار انتهاء يومه الدراسي.
كيف لا يشعر بتلك الساعات في طريقه إلى الملعب، هل أغاني الفريق مع بعض الأصدقاء طوال الطريق لها سحرها الخاص بتلك الطريقة؟
الدخول إلى المدرجات:
مجرد الاقتراب من ملعب المباراة يبدأ الشعور بالشغف والسعادة، كالشخص العائد إلى وطنه بعد غياب سنوات.
دخوله المدرجات يشعره بالطمأنينة، يردد لنفسه “أنا الآن متواجد بأفضل مكان يشعرني بذاتي، أنا في مكاني”
يبدأ الهتافات هو وأصدقائه قبل انطلاق المباراة بساعات، ليس هتافاً للاعبين أو رغبة في الانتصار، مازال يتبقى الكثير على بداية المباراة ولا يوجد غيرهم في الملعب.. إنها هتافات لأجلهم، يُرحبون بأنفسهم في مكانهم المفضل على طريقتهم الخاصة.
أثناء المباراة:
يبدأ برؤية لاعبي فريقه على أرضية الملعب قبل بداية المباراة، هو يقوم بتشجيعهم وهُم يقومون بتحيته، الطرفان يدعمان بعضهما البعض بحثاً عن مصلحة الفريق.
تبدأ المباراة ويعاهد نفسه أن هتافه لن يتوقف مُطلقاً إلا بعد انتهاء المباراة، فرحته بهدف فريقه شعور لا يوصَف.
الاحتمال الأكبر أنه لم يرى الهدف بوضوح بسبب اهتمامه بإشعال حماس أصدقائه للتشجيع أكثر، من الممكن أنه لا يعلم مَن اللاعب الذي سجل الهدف أيضاً، لكن الأهم أن الفريق يسير جيداً.
رُبما أكون أخطأتُ عندما اعتبرته الطرف الأقل استفادة.. أعتقد أن شعوره في تلك المناسبات أفضل من أي شيء على الإطلاق، لكنه الآن محروم من ذلك الشعور.
في النهاية لقد حاولت الابتعاد في حديثي عن الخطابات العاطفية قدر المُستطاع، لأثبت بكل الأسباب المنطقية أن كرة القدم هي الجماهير، لذلك فالسؤال ليس متى تعود الجماهير..
السؤال الصحيح هو متى تعود كرة القدم؟
إعداد وكتابة: خالد بيبو.
اقرأ أيضاً: لماذا تُحب كرة القدم؟ السؤال الأصعب على الإطلاق