“كرة القدم لعبة فوز أو خسارة، نعلم أن الخسارة واردة لذا، نتهيأ لها طوال الوقت، لكنها أشبه بموت أحد الأشخاص المُقربين، تعلم جيدًا أنه رحل للأبد، لكن صدمة رحيله تبقى كما هي، لا تتغير أبدًا”.
تلك الكلمات التي كنت تقرأها الآن ليست لأحد الفلاسفة أو الشعراء أو حتى لكاتب مغمور، بل أنها للاعب كرة القدم والطبيب سقراطيس برازيليرو دي سوزا فييرا دي أوليفيرا.
كان سقراطيس لاعب فريد من نوعه، حتى في مظهره كان طويل القامة تخطى طوله ١٩٠ سنتيمترًا، كان صاحب لحية طويلة، ويضع ربطة على رأسه.
أما في الملعب فكان لاعب وسط ملعب استثنائي يراقص الكرة في منتصف الملعب، ويتحكم بوتيرة لعب الفريق بلمساته الساحرة، يمرر الكرة ويرسلها كما يريد دون أن تخطئ كرته وجهتها، يربط بين خطي الدفاع والهجوم دون عناء.
تميز باستخدام كعبه للتمرير للخلف، حيث قال عنه الأسطورة البرازيلية بيليه ” سقراط يلعب بكعبه للخلف، بشكل يفوق من يلعبون للأمام بمقدمة أقدامهم”.
اشتهر سقراط بأفكاره وميوله الثورية، فكان يستخدم كرة القدم كنافذة من أجل محاربة النظام العسكري الفاسد في البرازيل وقتها، فقد ساهم في تأسيس حزب كورينثيانز الديمقراطي.
وانشأ التجربة الديمقراطية الحقيقية في فريق كورينثيانز والتي تم على إثرها اختيار كافة المسؤولين بالانتخاب، كل شئ يتم بالانتخاب وبرأي الأغلبية بما فيهم العاملين في الفريق، يا له من تأثير بالغ في كل من حوله، وكأنه كاهنًا أو قديسًا.
مما دفع الجميع يتسأل عن عدم قيامه بممارسة السياسة بدلًا من كرة القدم، وعندها أجاب:
“كرة القدم كانت بالنسبة لي فرصة من أجل الضغط على الحكم من موقع مؤثر، فالشعب البرازيلي شغوف بكرة القدم، وسأكون أكثر تأثيرًا لو كنت لاعبًا جيدًا”.
حسنًا الآن فهمت، فهذا الذي يداعب الكرة فوق العشب الأخضر تأثيره على الشعب البرازيلي أشد من تأثير الكهنة والقدسيين.
درس سقراط الطب وحصل على الشهادة العليا، وبعد ذلك تفرغ لممارسة كرة القدم لكنها لم تشغله عن الطب فقد عُرف بعلاجه للفقراء، ولقبوه مشجعيه بحكيم الكرة، نظرًا لحكمته الواسعة داخل الملعب وخارجه، بجانب لقب الفيلسوف نسبة للفيلسوف اليوناني سقراط.
مسيرته الكروية
خاض سقراط في مسيرته على مستوى الأندية 640 مباراة وسجل خلالها 292 هدفًا، بينما لعب لمنتخب البرازيل من عام 1979 حتى عام 1986 وشارك في 60 لقاء وأحرز 22 هدفًا.
مارس سقراط كرة القدم خلال الفترة من عام 1974 حتى عام 2004، وبدأت مسيرته الكروية مع بوتافوجو ومر على كورينثيانز ثم فيورنتينا الإيطالي وعاد إلى بلاده لعدم تحمله تكاليف الحياة في إيطاليا، بجانب تفضيلهم النتائج على حساب متعة اللعب.
لينضم لـ بوتافوجو ومن ثم انتقل إلى فلامينجو سانتوس وعاد مرة أخرى إلى بوتافوجو، قبل أن يلعب لنادي جروفر تاون الإنجليزي لفترة قصيرة في نهاية مسيرته.
سقراطيس يعد واحد من أفضل اللاعبين الذين عرفتهم البرازيل على الإطلاق، وقد شارك سقراط في نسختين من كأس العالم مع فريق يصنف كأفضل تشكيل لمنتخب السامبا مع زيكو، وأيدير، وفالكاو، أملًا في معانقة المجد الذهبي والتتويج بالكأس الغالية.
الأولى كانت في مونديال إسبانيا ١٩٨٢، وخرج على يد المنتخب الإيطالي، بهدف سجله أسطورة إيطاليا باولو روسي، في دور ربع النهائي.
والثانية مونديال المكسيك عام ١٩٨٦، الذي غادروه من في نفس الدور، بعد خسارتهم مع المنتخب الفرنسي، بالضربات الترجيحية، عندما أضاع نجوم المباراة من الفريقين ركلات الجزاء التي سددها، وهم سقراط وسيزار من البرازيل، وميشيل بلاتيني من الفريق الفرنسي.
لينتهي حلم سقراطيس في لمس سماء المجد ومعانقة الذهب، ولكن القصة لم تنتهي وكأن كرة القدم أبت أن يرحل ذلك الفيلسوف الساحر دون أن يقترن اسمه بشكل أو بأخر بالذهب الأصفر، حيث تمكن شقيقه الصغير راي، من إكمال حلمه، بعد فوزه بلقب كأس العالم في الولايات المتحدة عام ١٩٩٤.
صحيح ذلك الطبيب لم تتمكن يداه من رفع الذهب، ولكنه بالتأكيد عانق المجد بعدما حصل على أفضل لاعب جنوب أمريكي في عام 1983 ودخل تشكيلة الفيفا لأفضل 11 لاعب في العالم عام 1982، وتم وضع اسمه في قاعة المشاهير ببلاده وصنف ضمن أفضل 125 لاعبًا على قيد الحياة في وقت سابق وأفضل 61 لاعبًا في القرن العشرين.
وتحدث عنه الأسطورة يوهان كرويف في كتابه Doctor socrates أنه “من الطريف انه (يقصد سقراط) كان يدعوني قائد الأوركسترا” لأن هذا بالضبط ما كنت أراه عليه – قائد أوركسترا -، سقراط موهوبًا بشكل غير طبيعي ورؤيته استثنائية، يستطيع فعل كل ما يحلو له بالكرة تمامًا مثل فاس ويلكس،كان يعلم جيدًا أين يتمركز في الملعب ليُخرج كل ما في جعبته”.
وفي الرابع من ديسمبر 2011 رفعت البرازيل الأعلام السوداء حداداً على وفاة الدكتور والسياسي والأسطورة الكروية البرازيلية سقراطس عن عمر يناهز 57.
الكاتب: سماء شوقي