ديكلان رايس.. ما لم يخبروك به فى نشرة الإحصائيات

“نعم بالتأكيد يستحق 100 مليون يورو وأكثر، أنا لا أتفق مع مالكي النادي في أن يتم بيعه ب 100 مليون فقط”، كان ذلك تصريحا لديفيد مويس مدرب ويست هام في أحد المؤتمرات عندما سئل عن قيمة ديكلان رايس، الرجل يبدو متأكدا وواثقا من أحقية لاعبه لمثل هذا المبلغ وربما أكثر، فهل يستحق ديكلان رايس هذا المبلغ حقا؟

في الواقع السؤال الذي يراودنى كثيرا: هل هناك فعلا فى الوقت الحالى لاعب يستحق هذه المبالغ الخيالية؟ وكم لاعب انتقل بمثل هذه المبالغ واستطاع تبرير ذلك بأداء خرافي؟

إذا نظرنا للأعوام الأخيرة وقمنا بعمل إحصائية بسيطة تخص معدل نجاح اللاعبين الذين انتقلوا بمبالغ عالية سنجد أرقاما تثير الدهشة، فمن صفقات برشلونه الغريبة مثل كوتنيو وديمبلي وجريزمان، إلي لاعبين مثل فيليكس وهازارد، يكفيك أن تعلم أن هذه 5 صفقات من أغلي 12 صفقة في تاريخ كرة القدم، وفي داخل إنجلترا يطفو علي الساحة بول بوجبا وماغواير وفوفانا وهافرتز ونيكولاس بيبي ولوكاكو.

ما ذكرته من صفقات مجموعها 11 صفقة من أغلي 30 صفقة في التاريخ بمعدل فشل حوالي 36%، وهناك بعض الصفقات في المنطقة الرمادية مثل نيمار وبيل وانتوني وسانشو، مع اختلاف أسباب نجاحها أو فشلها، ولكن بعض هذه الصفقات مثل انتوني وسانشو لعبوا موسما أو موسمين فقط ومن المبكر الحكم بشكل نهائي عليهم.

إذن ما نستنتجه مما ذكر أن المبلغ الأعلي لا يعبر أبدا عن ضمان النجاح أو التاقلم في أي مكان، ولكنها ببساطة أسعار السوق الجنونية التي فُرضت علينا، وبالعودة للحديث عن لاعبنا ديكلان رايس، فأسباب ارتفاع سعره طبيعية ومعروفة، فيكفي أن تعلم أنه لاعب إنجليزي يلعب في المنتخب الأول وشارك في كأس الأمم الأوروبية وكأس العالم، هذه أسباب منطقية للعديد من الإنجليز لارتفاع سعره، أما امكانياته وعيوبه فهي أشياء جانبية يمكن تجاوزها طالما أنه لاعب إنجليزي.

ونظرة صبورة متأملة للإحصائيات والأرقام- في سياقها الصحيح- تكشف لنا بوضوح تباين واختلاف الصورة المقدمة والمروج لها عن اللاعب في وسائل الإعلام، وفي الحقيقة ومن دون النظر للإحصائيات يكفينا مشاهدة بعض مباريات ويست هام وسنلحظ بعض العيوب التي لم يتحدث عنها أحد.

ولكى تبرز للعيان عيوب رايس، يتحتم أولا أن نفهم لماذا اشتراه ارسنال، وماهى مميزاته- تلك التى يجب أن نتذكرها- لأننا سنعود إليها فى نهاية التقرير:

1-أول وأهم أسباب رغبة ارسنال في التعاقد مع  رايس هي إحصائياته في قطع الكرات فهو في المركز الأول برصيد 63 اعتراض في الدوري الإنجليزي.

2-هو أيضا من المصنفين التسع الأوائل في العرقلة في آخر موسمين في الدوري الإنجليزي.

3-في أول مواسمه في 2017/2018 كان معدل رايس في التمريرات التقدمية 2.26 في المباراة، واستمرت في الارتفاع كل موسم ووصلت في 2021 إلي 7.25 في المباراة.

4-بالنسبه للاعب عمره 24 عاما، ولعب أكثر من 200 مباراة في الدوري الإنجليزي وشارك أساسيا في يورو 2020 وكأس العالم 2022، فهذه أرقام ممتازة جدا، كما أن معدل إصاباته قليل وهي ميزة مهمة أخري.

إذن كل شئ جميل ورائع، لاعب دفاعي ممتاز ذو خبرات في الدوري وأوروبا وشارك في المحافل الدولية ولا يزال عمره 24 عاما، إذن هي كما يقولون صفقة مثالية، أليس كذلك؟

بلى، في الحقيقة ديكلان رايس لاعب رائع ويمتلك هامشا كبيرا للتطور، لكن المشكلة التى لا يتحدث عنها أحد في هذه الصفقة أن هناك بعض العيوب في اللاعب لا يمكن تغييرها إلا  بالتطور والتأقلم، وهكذا هو الحال  مع العديد من الصفقات ذات المبالغ الكبيرة، أنت تنقل لاعبا من ظروف تكتيكية وسياق فني معين إلي عالم آخر وأسلوب مختلف معتمدا علي أنه سيتاقلم ويتكيف، إذن أنت تدفع مئات الملايين في قمار أو مخاطرة (يا تصيب يا تخيب).

فإذا ألقينا نظرة علي أسباب فشل الصفقات الكبيرة سنجد أن أغلبها مرتبط بعدم قدرة اللاعب علي مواكبة النظام الجديد أو عدم مناسبته للقيام بالدور الجديد المطلوب منه، وعلي سبيل المثال لاعب مثل هاري ماغواير تم نقله من أسلوب لعب دفاعي تكتلي مع هال سيتي وليستر إلي مساحات شاسعة ولعب مفتوح مع مانشستر يونايتد، بل أصبح مطالبا أن يقود خط الدفاع بالكامل ويساهم في بناء الهجمة والخروج بالكرة، وهو ما لم يتعلم أبدا فعله ولم يسمع عنه من قبل، ناهيك أنه تدرب مع مدرب مثل سولشاير.

ولا يوجد مثال أكثر عشوائية من ثلاثي برشلونة: ديمبلي وكوتنيو وجرزمان، لأنه حتي الآن لم نفهم أبدا أين كان من المفترض أن يلعب جريزمان في وجود ميسي، وكذلك نفس الأمر مع كوتنيو الذي روجوا له أنه خليفة انيستا، رغم اختلافهما تماما في العديد من مراحل اللعب وطريقة مقاربتهما للكرة، ولم نجد حتي الآن مبررا لدفع 150 مليون يورو في لاعب لم يتجاوز العشرين عاما، وكل خبرته موسم واحد ناجح مع دورتموند.

العامل المشترك بين كل هؤلاء اللاعبين أنهم جميعا انتقلوا بأسعار مبالغٍ فيها مع الرهان علي أنهم سيتأقلمون علي وضع وظروف فنية معينة رغم عدم وجود أي دلائل تثبت ذلك.

إذن هل ديكلان رايس سيكون مثل هؤلاء؟ بالعكس أنا لا أعتقد ذلك علي الاطلاق، إذن لماذا ذكرت كل هذه الأمثلة رغم قناعتى أن رايس سيكون أفضل من سابقيه؟

ببساطة لأني أؤمن بوجود مدرب مثل ارتيتا قد يكون هو الاختلاف في هذه المعادلة، وفي نفس الوقت كي لا ننجرف وراء ما تروج له كل و سائل الاعلام عن ديكلان رايس- كما تم الترويج لمعظم اللاعبين المذكورين سابقا- وكأنهم خلو من العيوب.

الطريف في الأمر أن معظم العيوب التي يغفل الجميع عن ذكرها متعلقة أيضا بمميزات اللاعب، ولكن الفارق أنك تنظر لهذه المميزات في سياقها التكتيكي الصحيح.

دعني أشرح لك :

1-ذكرنا فيما سبق أن رايس من الأعلي رقميا في أوروبا من حيث tackles  والأعلى فى  interceptions، ولكن هذه الأرقام اقتطعت من السياق الحقيقي لها، ولم تأخذ بعين الاعتبار نسبة استحواذ فريق مثل ويست هام يقضي أغلب وقت المباراة في مناطقه الدفاعية، كلما قضيت وقتا أطول في الخلف ستزيد فرص قطعك للكرات، بينما عندما تقارن مثل هذه الأرقام مع لاعب مثل كاسيدو أو رودري، وهما لاعبان يلعبان في سياق مخالف تماما- سياق يعتمد أكثر علي حيازتك للكرة وبالتالي قلة فرص قطعك للكرة- ستدرك أن الأرقام ليست كل شئ.

2-إذا شاهدت مباريات ديكلان رايس مع ويست هام، ستجد أن معظم تمريراته التقدمية وانطلاقاته الممتازة كانت في هجمات مرتدة دون أن يكن هناك ضغط مباشر عليه- علي عكس لاعب مثل بوسكتس أو رودري- بينما أنت في فريق مثل ارسنال تميل أصلا للاستحواذ وليس المرتدات، فمثلا رايس ليس مثل بارتي، بارتي يستطيع أن يلعب كلاعب ارتكاز وحيدا في الملعب تحت ضغط وسرعة ورتم أعلي بكثير من الذي يواجهه رايس في ويست هام.

3-العيب الآخر في رايس هو بطء حركة جسمه بسبب طوله الفارع، فهو يحتاج مساحات ضيقة حتي يستطيع الدفاع بشكل أفضل كما كان يفعل فى ويست هام، على عكس فريق مثل ارسنال يترك العديد من المساحات فى الخلف لأنه فريق هجومي، وبالتالي مطلوب من لاعب الارتكاز تغطية مساحات أوسع بكثير مما قبل.

4- رابع العيوب وهي أن معظم تمريرات رايس تفتقد للجودة والإبداع بالمقارنة بتمريرات شاكا أو بارتي، لأن نسبة كبيرة من كراته الطولية تضع مستلم الكرة في وضعية غير مريحة مما يؤدي لفقدانها.

فى ضوء ماسبق: هل يعنى ذلك فشل رايس؟ بالطبع لا، هذه كلها توقعات واستنتاجات مبنية علي أرقام ومشاهدات في سياق معين، وفي رأيي أن المخاطرة الكبري -كما ذكرت مسبقا- هى أن العديد من الأندية أصبحت تقتطع اللاعب من سياقه الفني وتراهن علي أنه سيستطيع التأقلم والتطور علي الأسلوب الجديد، ناهيك عن المبالغ الكبيرة التى يتم دفعها، فعلي سبيل المثال، قد يكون هذا المبلغ مبررا إذا كان رايس سيذهب لفريق يلعب بشكل دفاعى تكتلى كاتلتكو مدريد أو يوفنتوس.

في النهاية الأمر كله متوقف علي ارتيتا وقدرته علي تطوير اللاعب، ومدي قدرة رايس علي التأقلم سريعا وفهم المهام الجديدة المطلوبة منه، ولمصلحة الجميع أتمني أن يحدث ذلك سريعا قبل أن ينقض عليه جاري نيفيل وجرام ساونيس مطالبين بعودته إلي ويست هام لأنه ببساطة لاعب كرة قدم امريكية وليس لاعب كرة قدم.